أيها الدوق الأكبر، اركع! - 9
كان الدوق بيرك أيضًا مُدمنًا على العمل.
بالنسبة لجُندي عادي، لَن يهمُ كثيرًا ما إذا كان مُدمنًا على العمل أم لا. لكن كلوي كانت مساعدة الدوق بيرك. إذا لَمْ يترك الدوق العمل ويُغادر، فلَن تتمكن كلوي مِن فعل ذَلك أيضًا.
بعد تجربة أسبوعٍ مِن العمل الإضافي المُتواصل دوّن يوم عطلةٍ واحد، فهمت كلوي أخيرًا سبب وجود سريرٍ في مكتب المُساعد.
“كان يجبُ أنْ أهرب في اللحظة التي رأيتُ فيها ذَلك السرير!”
لسوء الحظ، كانت هُناك عواملٌ أخرى تُسبب مشكلةً لها. كان اضطراب الوسواس القهري الذي يُعاني منهُ الدوق جنبًا إلى جنب مع جدول عملهِ الإضافي المجنون مُجرد جزءٍ ضئيلٍ مِن الأسباب المُتنوعة التي دفعت الحرس الملكي إلى نشر إعلانٍ للبحث عن مُساعدٍ لهُ حتى في البحرية الجنوبية البعيدة.
قيل إنْ الحرس الملكي يتألفُ فقط مِن الأشخاص الأكثر صرامةً. وعلى رأس هَؤلاء الأشخاص كان الدوق بيرك.
كان تلدوق بيرك غيرُ ملكيٍ بشكلٍ ملحوظ ويشبهُ العائلة المالكة كثيرًا. كان الجزء غيرُ الملكي منهُ هو، كما ذكرنا، هو يأتي إلى العمل عند الفجر ويغادر عند مُنتصف الليل.
إذن، ما الذي جعلهُ ملكيًا؟
كان قاسيًا بشكلٍ لا يُصدق على أولئك الذين ارتكبوا أخطاء أو لَمْ يؤدوا أداءً جيدًا.
لَمْ ترَ كلوي أبدًا شخصًا لديهِ مثل هَذا القدر المُتنوع من العقوبات.
“خفض راتب لمدة شهرٍ كاملة.”
“انزل وافعل ذَلك عشرين مرةً.”
“ابدأ في تدقيق المستندات.”
إذا حدث خطأ ما، فكان يأمرُ إما بالتدريبات الإضافية أو خفض الراتب. كان مُعظم أفراد الحرس الملكي مِن النبلاء أو مِن أصلٍ نبيل، نظرًا لانتمائهم الملكي المُباشر. لكن الدوق بيرك لَمْ يهتم بهَذا الأمر ووفر لمرؤوسيه مجموعةً مُتنوعةً مِن العقوبات المزعجة والتجريبية.
مِن بين هَذهِ العقوبات، كان الأسوأ في رأيّ كلوي هو خفض الراتب.
“انضممتُ إلى هُنا للحصول على راتبٍ ثابت، ولكن الآن هُناك عقوبةُ خفض الراتب!”
بالمناسبة، إذا علمت ساعاتٍ إضافية ستَحصلُ على أجرٍ نهاية الأسبوع بشكلٍ مُستمر. لكن كلوي لَمْ تعتبر ذَلك امتيازًا. كان الحصول على أجرٍ مُقابل العمل المُنجز أمرًا طبيعيًا، وليس شيئًا مُميزًا.
“أريدُ أنْ أترك العمل….”
استغرق الأمرُ مِن كلوي أسبوعين فقط لبدء استخدام العبارة الشائعة بين أعضاء الحرس الملكي.
إذا كان الدوق بيرك قاسيًا ولكنهُ غيرُ كفء، لكان الحرس الملكي قد تشتتَ مثل الضباب منذُ فترةٍ طويلة.
ومع ذَلك، كونها مُساعدته، فإن كفاءتها لَمْ تكُن شيئًا جيدًا.
إنْ مُدمن العمل الذي كان جيدًا في وظيفتهِ يعني وجود الكثير مِن العمل باستمرار، حتى أنهُ قد اختراع مهامًا لَمْ تكُن موجودة مِن قبل.
نظرًا لأن الدوق بيرك كان بطل الحرب، فقد كان مِن الشائع أنْ يتعامل مع كُل شيء مِن المهام العاديةإلى الأسرار الوطنية.
كان جدولهُ الزمني قاسيًا، وكانت المُغادرة في الوقت المُحدد حلمًا مُستحيلاً، وعندما كانت ترتاحُ أخيرًا، قد عاقبها بمهام إضافية.
كان جميع المُساعدين السابقين قبل كلوي قد طلبوا أن يتم نقلهم إلى وحداتٍ أخرى بعد فترةٍ وجيزة مِن توظيفهم. في أغلب الأحيان، تم فصلهم بسبب أوامر الدوق بيرك القاسية وطبيعته الصعبة.
لَمْ يكُن سرًا أنْ التغيير المُستمر لمُساعدي الدوق بيرك كان صُداعًا لكبار المسؤولين. على الرغم مِن أنهُ كان مشكلةً قد فرضها الملك عليهم، إلا أنهم لَمْ يتمكنوا مِن ترك مكانهِ شاغرًا.
لذا، كان الإجراء الأول المُتخذ هو مُنع أيِّ طلبات نقلٍ مِن المُساعدين. لقد فرضوا على المرء أنْ يُكمل ثلاث سنواتٍ على الأقل مِن الخدمة قبل أن، يكون مؤهلاً للنقل. عندما لَمْ ينجح ذَلك، بدأ المُساعدون في تقديم طلبات الاستقالة. إذا تم منعهم، بدا أنهم مُستعدون للهرب.
ردًا على ذَلك، عرض كبار المسؤولين جوائزًا. لكن الأوان كان قد فات بالفعل. قد انتشرت الشائعاتُ في الجيش كالنار في الهشيم. في النهاية، كان عليهم تمديدُ دعوة التجنيد إلى البحرية.
وهُنا وقعت كلوي أمبرويز في الفخ.
نظرًا للمُساعدين التسعة عشر الذين فروا قبلها، كان عقدُ الخدمة الذي تلقتهُ كلوي مُحملاً بالعديدِ مِن البنود المُلزمة. كان يتألفُ في الغالب مِن تحذيراتٍ صارمةٍ بأنهَ إذا حاولت الفرار، فلَن يُسامحها الملك أو المُشير الكبير فيكتور أو وحنى حكام إيفانيس.
*[المُشير: وهيَ أعْلَى رُتبةٍ فِي الجِهاز العسْكَري.]
كانت كلوي مُستعدةً، أو هَكذا اعتقدت.
“مع المنصب الكبير تأتي مسؤوليةٌ كبيرة.”
وقعت على العقد وبدأت مهامها. بعد كُل شيء، كان الأجر أربعة أضعاف ما كسبتهُ في البحرية.
قد ينتقدها البعضُ بِاعتبارها حمقاء، وتُعطي الأولوية للمال على صحتها.
“لكن هَذا شيءٌ لا يستطيعُ قوله إلا الأشخاص الذين ليس لديهم شخصٌ يُعيلونه.”
… أو هَكذا اعتقدت. بعد ثلاثة أشهر، فكرت بجديةٍ فيما إذا كان مِن الأفضل أنْ تُصبح مجرمةً وطنية باغتيال بطل إيفانيس أو القفز مِن أعلى الجدار الخارجي لحدود إيفانيس.
الآن، ومع ذَلك، قد أصبحت لديها فرصةٌ.
فرصةٌ للانتقام مِن كُل تلكَ الأيام المؤلمة.
***
للتوضيح، كانت كلوي أمبرويز سعيدةً للغاية.
“إركع؟ لكِ؟”
“نعم.”
كانت حازمةً في إجابتها ونظرت إلى عيون كيرتيس الضيقة.
بطلُ الحرب المثالي الذي لا يستطيعُ السباحة ويصاب بدوار البحر. معرفةُ هَذا جعل الدوق يبدو أكثر سهولةً في التعامل.
كانت رؤية وجههِ البارد والوسيم عادةً وقد تجعّد مِن شدةِ الإحباط سببًا آخر لإثارة حماسها.
لو كانت أكثر حماسًا بعض الشيء، لربما قالت لهُ: “لماذا لا تركعُ غدًا صباحًا، أمام الجميعِ في ساحة العرض؟”
لكن شيءٌ ما كان يبدو غيرَ طبيعيٍ أبدًا.
“أنا جادة. أفعل ذَلك حقًا.”
على الرغم مِن سماع كلمات كلوي المتحمسة، قام كيرتيس فقط بمداعبةِ ذقنهِ بعمق وأومأ برأسه.
“حسنًا. سأفعلُ ذَلك.”
“… ماذا؟”
لَمْ تستطع كلوي أنْ تُصدق أذنيها. ماذا؟ هل وافق للتو على الركوع بهَذهِ السهولة؟
‘هَذا ليس صحيحًا.’
“سمو الأمير، هل تفهم ما قلتُه للتو…؟”
“أفهم. لكن يبدو أنْ هُناك خطوةً ضروريةً قد تخطيناها.”
“عفوًا؟”
خطوةٌ ضرورية؟
بينما كانت كلوي تميلُ برأسها وهي مُحتارة، أخرج كيرتيس شيئًا مِن دُرج مكتبهِ. ثم، دوّن أنْ يمنحها فرصةً للتحدث، سار بسرعةٍ إلى حيثُ كانت تجلس.
كانت خطواتهُ سريعةً جدًا لدرجة أنْ كلوي لَمْ يكُن لديها وقتٌ للرد. قبل أنْ تُدرك ذِلك، كان كيرتيس يقفُ أمامها، وينظرُ إلى الأسفل.
وكانت كلوي مُندهشةً.
‘هَذا جنون…’
لقد كان أطول وأقوى الأمراء الثلاثة منذُ طفولته. جُنديٌ قد أمضى ست سنواتٍ في ساحة المعركة. لقد نسيت كلوي أيَّ نوعٍ مِن الرجال كان، ربما بسبب إرهاق العمل الإضافي المستمر لـ ثلاثة أشهر.
كان الضغطُ المُنبعث مِن كيرتيس وهو يقفُ أمامها هائلاً. وجههُ جميلٌ بشكلٍ غير طبيعي، جنبًا إلى جنب مع تعبيرهُ البارد، أضاف ذَلك إلى تأثيره.
فجأةً، وجدت كلوي نفسها تفكر في أفعالها.
‘… هل تجاوزتُ حدودي؟’
كان مِن الواضح أنها كانت تملكُ اليد العُليا في هَذا الموقف. لكن إخبارهُ بالركوع أمامها رُبما كان أكثر مِن اللازم. نظرت كلوي إلى الدوق عديم التعبيّر، وبدأت تشعرُ بالخوف.
هل يجبُ أنْ تعتذرِ الآن؟ أو ربما تقول إنها كانت مُجرد مزحةٍ؟
لكن كيرتيس لَمْ ينتظر اعتذار كلوي.
“أيتُها المُلازم أمبرويز.”
“نعم…؟”
تحولت عيناها تلقائيًا إلى يد كيرتيس. بالتأكيد لَمْ يسحب مُسدسًا مِن ذَلك الدُرج، أليس كذلك؟ هل كانت على وشك أنْ تُعدم دوّن مُحاكمةٍ لعدمِ احترامها للعائلة الملكية؟ دارت عاصفةٌ مِن الأفكار في ذهنها. عرقٌ باردٌ غطى راحتيها.
ثمَ هبت عاصفةٌ مِن الرياح. أغلقت كلوي عينيها وفتحتهما غريزيًا.
بعد ذَلك مُباشرةً، كان أمامها مشهدٌ مُذهل.
بشكلٍ لا يُصدق، ركع كيرتيس شان بيرك على ركبةٍ واحدةٍ أمامها، واتخذَ وضعيةً رسمية.
ولكن لسوء الحظ، كان بعيدًا كُل البُعد عن الصورة التي تخيلتها كلوي.
“هَذا هو الخاتم الذي تلقتهُ والدتي مِن الملك الراحل عندما تقدم لها.”
ماذا؟ خاتم؟
وكأنهُ يجيبُ على ارتباك كلوي، فتح كيرتس علبة خاتمٍ فاخرةٍ في يده. كان بداخلها خاتمٌ مِن الجمشت ضخم، يتلألأ بشكلٍ رائع. تمامًا مثل صاحبهِ، كان جميلًا وبراقًا.
“تزوجيني.”
كانت كلوي في حيرةٍ مِن أمرها.
لَمْ يكَن ذَلك لأن الرجُل أمامها كان جميلاً للغاية.
لا، لقد كان ذَلك لأنها لَمْ تستطع معرفة لما أصبح كُل شيء بشكلٍ خاطئٍ هَكذا.
***
في هَذهِ المرحلة، مِن الضروري التعمُق في أفكار كيرتيس شان بيرك.
في الحقيقة، كان لدى كيرتيس شان بيرك رأيٌ إيجابيٌ إلى حدٍ ما عن المُلازم، كلوي أمبرويز. وكان هِذا جُزئيًا لأنها كان لديهِا فهمٌ أفضل لشخصيتهِ مما أظهرت.
شخصيةٌ دقيقةٌ للغاية لدرجة أنْ الحراس أطلقوا عليهِ لقبَ المجنون أو الشيطان، واضطرابُ الوسواس القهري الذي يُعاني منهُ، وإدمانهُ للعمل. كان الجزء الأخير بشكلٍ أساسي لأنهُ دفن نفسهُ في العمل لنسيان إزعاج تخفيض رتبتهِ إلى الحرس الملكي، لكن هَذا خلق بيئةً قاسيةً لمساعديه.
ومع ذَلك، تمكنت كلوي مِن العمل تحت إمرتهِ لمُدة ثلاثة أشهر.
كانت هُناك جوانبٍ لَمْ تُرضيهِ تمامًا، ولكن بالنظر إلى أنها جاءت مِن البحرية الفوضوية، كان عملها نظيفًا وفعالًا.
وبالمقارنة بالمساعدين السابقين الذين كانوا مثقلين بأعباء العمل، تاركين مكاتبهم ومهامهم في حالةٍ مِن الفوضى، كانت كلوي تشكلُ تناقضًا صارخًا معهم.
كان هُناك مُساعدون لَمْ يستحموا لمدة يومين، حتى وإنْ لَمْ يكونوا في ساحة المعركة، وأولئك الذين ارتكبوا أخطاء مُتكررةً تحت ضغط العمل قد طردهم كيرتيس على الفور.
لكن كلوي كانت مُختلفةً حقًا. كان مسرورًا بها للغاية. كانت تربطُ شعرها دائمًا بشكلٍ أنيق على شكل ذيل حصان وتُحافظ على مُحيطها مُنظمًا وبطبيعة الحال، كانت ترتكبُ أخطاء قليلةً للغاية.
بالطبع، كان لدى كلوي أسبابٌ لدقتها، بعد أنْ اعتنت بثلاثة أشقاء أصغر منها لفترةٍ طويلة، ولكن سواء كان كيرتيس يعرفُ هَذا أم لا، فقد كان راضيًا تمامًا.
لَمْ يكُن كيرتيس مُهتمًا بالتقارير التي تتحدثُ عن بخلها او فوزها بمبالغٍ كبيرةٍ مِن المُقامرة مع زملائها. وكان مِن الجدير بالثناء أنها عملت لساعاتٍ إضافيةٍ دوّن شكوى بسبب تقشفها، وإذا ربحت المال مِن المُقامرة، فإن الخاسر هو المسؤول عن حماقته.
كان هَذا صحيحًا. لقد كان سعيدًا جدًا لدرجة أنهُ لَمْ يُمانع أنْ وصفتهُ بـ المجنون خلف ظهره.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة