أيها الدوق الأكبر، اركع! - 6
كان هَذا البروش الذي ثبته كيرتيس على زيّها على مضض.
“هَذا ما أعطاني إياه كيرتيس شان بيرك كعلامةٍ على وعده.يحملُ البروش شعار عائلته، مما يدُل على نيته الصادقة.”
سرعان ما أخذه أحد الخدم وقدمهُ للملك. لن تنسى كلوي أبدًا تعبير وجهِ الملك وهو يفحص البروش.
“بدا الأمر وكأنني قد صفعتهُ على جبهتهِ بالبروش.”
ابتسمت كلوي، وهي تُقفل ذكرياتها، بمرح.
“شكرًا لكَ على إعارتهِ لي، يا رئيس.”
“… أنا سعيدٌ لأنهُ كان مفيدًا،” قال كيرتيس بعد صمتٍ قصير، ومد يدهُ لأخذ البروش. سحبت كلوي، وهي لا تزال تبتسم، يدها إلى الخلف، وأبقت الدبوس بعيدًا عنه. بصفتهِ رئيسًا كفؤًا، فهم كيرتيس على الفور نيتها، وتحول تعبيرُ وجهه إلى اللون الأصفر.
” أيتُها المُلازم ثاني…”
“نعم سيدي؟”
“أولاً، شكرًا لكِ….”
توقف كيرتيس عن الكلام، وخفض رأسهُ وفرك وجههُ بعنف.
“مِن فضلكِ، أجلسي.”
“نعم سيدي.”
بحركاتٍ دقيقةٍ وسريعة مثل الجندي، جلست كلوي على الأريكة، وهي لا تزالُ تحمل الدبوس. ارتعش فم كيرتيس قليلاً.
لقد تجاوز الوقت الآن منتصف الليل، ويُمكن لكلوي تخمينُ ما يريدُ رئيسها مُناقشته في هَذا الموقف، بمفردهِ في المكتب مع مُساعدته. لكنها لن تنتظر حتى يبدأ.
“معذرةً، لكن هل كان ما حدث اليوم من تخطيطك، يا صاحب السعادة؟”
فرك كيرتيس جبهتهُ وكأنهُ يعاني مِن صداع. كانت الإجابة واضحة.
“… تقريبًا، نعم. أعتذر.”
“لا، أفهم.”
توقف كيرتيس عن فرك جبهتهِ ونظر إليها. كانت عيناه البنفسجيتان تلمعان بمزيجٍ مِن المشاعر. هزت كلوي كتفيها.
“بعد قضاء ثلاث ساعات في هَذا الموقف، أدركتُ أنني كُنتُ بالفعل شريكًا مُناسبًا لكَ، يا صاحب السعادة.”
السبب وراء إختيار كيرتيس، الذي يكرهه الملك، بسرعةٍ لكلوي كخطيبةٍ له لم يكُن معقدًا.
كان للملك الحالي وكيرتيس أمهاتٌ مُختلفات. كانت والدة كيرتيس ميلدريد، الملكة الثانية التي قد تزوجها الملك السابق بعد أن أصبح أرملًا.
لم يكُن الملك السابق ينوي الزواج مرةً أخرى. لكن الحياة نادرًا ما تسيرُ كما هو مُخطط له. وقع في حب الأميرة ميلدريد من جلينجلاند، وهي مملكة بحرية صغيرة، مِن النظرة الأولى، وتقدم لها.
لسوء الحظ، لم يكُن الحب متُبادلاً. ومع ذلك، كانت الأميرة واقعية.
“أنتَ تحبني؟ إذن تزوجني. ولكن بالمقابل، احمِ بلدنا.”
بمقابل أن تُصبح ملكة، طالبت إيفانيس بدعم دفاع جلينجلاند. كان تعزيزُ جيش دولةٍ أخرى، وخاصة الجيش الذي يمكن غزوهم في أيِّ وقت، شرطًا صعبًا للوفاء به.
ولكن السمات الجغرافية الفريدة لكلا البلدين جعلت هَذا مُمكنًا
لم تملك إيفانيس سوى ساحلٍ واحد، وهو ساحل برادو. وكان ساحل برادو، حيث كان التنين ينام، يُعتبر مكانًا مقدسًا وكانت التيارات سريعةً فيه، مما يجعل الغزو عن طريق البحر أمرًا مُستحيلاً. لذَلك، حتى لو تم دعمُ جيش جلينجلاند، المُحاطة بالمياه بالكامل، فلن يُشكل ذَلك تهديدًا كبيرًا لإيفانيس.
وكان هُناك شرط آخر.
“لا أريد أن يموت طفلي في صراع. تأكد من أن طفلي يمكنه حمل ألقاب في كلا البلدين”
طالبت الملكة ميلدريد بلقبٍ مُزدوجةٍ لطفلها. وهَذا مِن شأنهِ أن يسمح لطفلها بالعيش كمواطنٍ في جلينجلاند إذا لزم الأمر، حتى مع تنازلهِ عن حقِ خلافة عرش إيفانس.
قبل الملك السابق كُل هَذهِ المطالب بسهولة. وعندما ولد كيرتيس، مُنح لقب بيرك وحصل على ألقاب في إيفانيس وجلينجلاند كما وعدها الملك عندما بلغ الثالثة من عمره.
كانت المُشكلة أن كيرتيس لم يكُن وسيمًا للغاية فحسب؛ بل كان أيضًا أميرًا ذكيًا وموهوبًا بشكلٍ استثنائي.
كان الملك السابق يعشقُ كيرتيس، لدرجةِ أن ذَلك هدد شعور الأمير الأول، الذي أصبح الآن الملك الحالي، بالأمان بشأن حقه بالعرش.
لم يجاوز الأمير الأول شعوره بعدم الارتياح تجاه كيرتيس؛ فقد سعى بنشاطٍ إلى تقييده. وكان هَذا معروفًا جدًا لدرجة أن الناس قد شعروا بالشفقة على كيرتيس. كان هُناك العديد مِن الشكوك حول وفاة الملكة ميلدريد. بعد وفاة الملك السابق، مباشرةً ما تبعته الملكة ميلدريد، حيثُ ماتت في حريقٍ لقصرٍ أجنبي.
أعربت عائلة إيفانيس الملكية عن أسفها ونأت بنفسها بسرعةٍ عن الحادث، ووصفتهُ بأنه حادثٌ مؤسف لا علاقة لهم به. ومع ذَلك، انتشرت شائعات مُفادها أن الملك الحالي كان لهُ يدٌ في موت الملكة.
بعد فترةٍ وجيزة مِن صعودهِ إلى العرش، بدأ الملك بالضغط على كيرتيس. وفي النهاية، التزم كيرتيس بواجبه القديم تقريبًا المتمثل في كونه ابنًا ثانيًا وقام بالانضمام إلى الجيش.
ومع ذِلك، لم يتخلى عن لقبه في إيفانيس.
بالنسبة للملك، كان هَذا أمرًا لا يُطاق، حيثُ أن احتفاظ كيرتيس بلقب دوق بيرك يعني أنهُ لا يزال يتمتعُ بحقه في الخلافة. وعلاوةً على ذَلك، فإن انتصارات كيرتيس في العديد من المعارك الكبرى أكسبتهُ شعبيةٍ هائلةٍ بين الناس.
بطبيعةِ الحال، تكبُر عقدةُ النقص التي يمتلكها الملك منذُ فترةٍ طويلة تجاه كيرتيس. كان مُخطط الزواج هَذا خطة واضحةً لإزالة كيرتيس بسرعةٍ مِن البلاد قبل اعتلاء ولي العهد فريدريك العرش.
ومع ذَلك، لم تستطع كلوي فهم موقف كيرتيس.
“إذا كُنتَ لا تحب هَذا، فلماذا لا تتخلى عن لقبكَ وجنسيتكَ وتذهب إلى جلينجلاند؟ بعد كُل شيء، قرر الملك هَذا الزواج لأنهُ يراكَ كـ تهديدٍ لهُ”
كانت تسأل لماذا أصر كيرتيس، الذي لن يتعرض لسوء المعاملة لو غير جنسيتهُ، على البقاء في إيفانيس، حتى أنهُ قد استخدمها لتجنب الزواج.
ضحك كيرتيس بهدوء على سؤالها، ولكن على عكس الابتسامات التي رأتها كلوي مِن قبل، كانت هَذهِ الابتسامة ساخرةً.
“الأمرُ ليس بِهذهِ البساطة، أمبرويز. التخلي عن لقبي والانتقال إلى جلينجلاند سيكونُ بمثابةِ اعترافٍ بالهزيمة. الأمرُ أكثر مِن مجرد لقبٍ وأرض؛ إنهُ يتعلق بِمَن أنا وما يجب فعلُه.”
توقف، وبدا مُتأملاً.
“وبصراحةٍ تامة، هُناك أشخاصٌ هُنا يعتمدون عليّ، ويؤمنون بما يُمكنني فعلُه مِن أجل إيفانيس. إذا غادرتُ هَكذا، فسأخذلهم.”
أومأت كلوي برأسها ببطء، وبدأت تفهم. “لذا، الأمرُ يتعلق بأكثر مِن مجرد لقبٍ وأرض. إنهُ يتعلقُ بالمسؤولية التي لديكَ.”
أومأ كيرتيس برأسهِ. “بالضبط. والآن، لسوء الحظ، يتضمنُ ذَلك هَذهِ المهزلة السخيفة. لكن أعدُكِ، سأجعلُ الأمر يستحق كُل هَذا العناء. لقد قمتِ بعملٍ جيد بشكلٍ استثنائي اليوم.”
تنهدت كلوي. “آمُل ذَلك، صاحب السعادة. آمل ذَلك.”
“هل تعرفين ما هو اللقب الذي لدي في جلينجلاند؟”
“أنتَ ماركيز سوليريان.”
أجابت كلوي دون تفكير، لكنها أدركت بعد ذِلك تداعيات هِذا اللقب. لاحظ كيرتيس إدراكها وابتسم بسخرية.
“أفهمتِ ذَلك؟”
“تقريبًا، لكن مِن فضلكَ اشرح.”
“الجندي الجيد لا يتوصل إلى استنتاجات مُتسرعة. جيد جدًا.”
أثنى كيرتيس عليها بخفةٍ قبل أن يتحدث بنبرةٍ مدروسة ودقيقة.
“أولاً، الساحل طويلٌ جدًا. سيكون لديّ الكثيرُ لأتعامل معه.”
تمتلك أراضي سوليريان أطول ساحل في جلينجلاند. كانت أيضًا مكانًا موبوءًا بالقراصنة لعقودٍ مِن الزمان، حيثُ كانت تضُم الموانئ الرئيسية في جلينجلاند.
كان ماركيز سوليريان مسؤولاً عن الساحل بأكمله. إذا تولى كيرتيس هَذا اللقب، فسيواجه حتمًا معارك مُستمرةً مع القراصنة. تعليقهُ حول كثرة العمل نابع مِن هَذهِ المسؤولية.
ومع ذَلك، نظرًا لكونها مُساعدته، التي اعتادت بالفعل على العمل الإضافي المُفرط، شعرت كلوي برغبةٍ في ضرب كيرتيس على رأسه بالبروش الذي في يدها. دون أن يُدركَ أفكارها، واصل كيرتيس كلامه.
“سأُعامل بشكلٍ سيءٍ في جلينجلاند.”
عقدت كلوي حاجبها قليلاً، لم تفهم ما يقصدُه.
“سامحني على قول ذَلك، يا صاحب السعادة، لكنكَ لا تُعامل بشكلٍ جيدٍ في إيفانيس أيضًا…”
ضيق كيرتيس عينيه. أوه لا. أدركتْ كلوي بعد فوات الأوان أنها ربما قد تجاوزت حدودها. لكنها فكرت، “هَذا صحيح، رغم ذَلك.”
كان كيرتيس هو مَن قاد إيفانيس خلال الحروب ضد ثلاث ممالك ونجح في تأمين الهدنات. ومع ذَلك، لم يُكرمهُ الملك باعتبارهِ بطلاً؛ بل عوضًا عن ذَلك، عيّنهُ في الحرس الملكي.
“هل تقولين إنني سأواجه وقتًا عصيبًا في جلينجلاند؟”
“أليس الأمر نفسهُ في إيفانيس؟”
“ألن يكون العيش في جلينجلاند، حيثُ لا يُحاول الملك إزعاجكَ باستمرار، أفضل؟”
أغلب الناس يعتقدون ذَلك. لكن كيرتيس كان لديه إجابةٌ مفاجئة.
“أنتِ لستِ مُخطئة. لكن إذا لم أحصل على مُكافأة استحقُها بأي شكلٍ مِن الأشكال، فمِن الأفضل أن أبقى في إيفانيس.”
“لماذا؟”
“لأنني لا أخوض الحروب بمفردي.”
آه. صمتت كلوي عند إجابتهِ غير المُتوقعة.
“وجلينجلاند بلدٌ ضعيف. إنها فقيرةٌ. إذا أصبحتُ ماركيز سوليريان، فسأضطرُ إلى صبِ كُل ما أملُك مِن موارد في جيشهم ولن أحصل على أيِّ شيءٍ في المُقابل.”
الحروب تتعلق بالموارد. سواء كُنتَ تُقاتل دولةً أخرى أو قراصنة، فإن الفوز يتطلبُ المال. لكن جلينجلاند ليست غنيةً. تتلقى موانئ سوليريان، على الرغم من أهميتها، القليل مِن الحماية بسبب الصراعات المالية لجلينجلاند.
ألقى ملك جلينجلاند باللوم على الغزوات في نفاذ الخزانة، مُدعيًا أنهُ لا يستطيعُ تحمل تكاليف دعم الموانئ. الأسوأ مِن ذَلك أنهُ قد أمر مُدن الموانئ بإدارةِ أمورها بنفسها حتى يتمكن مِن إثراء الخزانة الوطنية بما يكفي لتوفير دعمٍ إضافي. كان هَذا سخيفًا.
حتى لو أصبح كيرتيس ماركيز سوليريان، فإن جلينجلاند تتوقعُ منهُ أن يمول الجيش مِن جيبه، هَذا يُشبهُ سكب الماء في حفرةٍ لا نهاية لها.
وعلى النقيض مِن ذَلك، لم تقطع إيفانيس، على الرغم مِن مشاكلها، الدعم أثناء الحروب.
‘هَذا لأن الملك كسبَ الكثير مِن الحروب مع الممالك الثلاث’
إذا كان على كيرتيس أن يُقاتل بمواردٍ ضئيلة، فمِن الأفضل أن يكون بطلاً مُهملاً في إيفانيس مع بعض الدعم، على أن يكون شخصيةً مُنعزلةً في جلينجلاند بدون أيِّ دعم.
“لقد أجريتُ هَذهِ الحسابات عندما كُنتُ في الثامنة عشرة مِن عمري.”
“فهمت.”
وهَكذا انضم كيرتيس إلى جيش إيفانيس لكنهُ لم يتنازل عن لقب دوق بيرك أبدًا.
ومع ذَلك، فإن جلينجلاند، التي كانت موطنهُ من جهة الأم، لم تتخلى عنهُ أيضًا.
كان الملك الحالي لجلينجلاند عم كيرتيس. وكان يُشبهُ الملكة ميلدريد في طبيعتها العقلانية والماكرة، على الرغم مِن أنهُ كان غالبًا أكثر خداعًا.
بينما كانت الملكة ميلدريد على قيد الحياة، تم أدخار ميزانيةِ جلينجلاند بنسبة 90٪ بفضل دعم إيفانيس. وبعد وفاتها، قد عادت كما كانت.
عندما ولد كيرتيس، كان الأمير الثالث لإيفانيس الثري. لكن ملك جلينجلاند رأى إمكانياته المُستقبلية. كان منحُ كيرتيس لقب ماركيز سوليريان خطوةً استراتيجية.
حاليًا، لم يكن كيرتس، بصفته مواطنًا لإيفانيس ودوق بيرك، ملُزمًا بالوفاء بواجبات ماركيز سوليريان. يتطلب هَذا اللقب منه أن يُصبح مواطنًا مُتجنسًا لجلينجلاند، وهو ما لم يُرد فعله.
ومع ذَلك، إذا تزوج كيرتيس مِن عضو مباشر في العائلة المالكة في غلينجلاند، فإنه سيحصلُ تلقائيًا على جنسية غلينجلاند ويلتزمُ بواجبات ماركيز سوليريان.
في ظل يأسهِ مِن نفاذ أموال، ركز ملك جلينجلاند على هَذا الأمر. تبنى امرأة غيرَ مُتزوجة في العائلة المالكة، واعطاها لقب “دوق جلينجلاند”، وأرسل عرض زواجٍ إلى كيرتيس. كان العرض، في جوهره، على النحو التالي:
<عزيزي ملك إيفانيس، أنتَ لا تُحبه، أليس كذلك؟ نحنُ نفتقرُ إلى الأموال والقوى العاملة بسبب سحبِ دعمكَ، لذَلك سننتَزعُه مِن يديكَ.>
بطبيعة الحال، وافق ملك إيفانيس على هَذا العرض. علاوةً على ذلك،
“زييّن الملك الصفقة بشروطٍ لا تُقاوم”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
قناتي بالتليغرام انزل فيها كل شي ♡ 《التليغرام》
حسابي بالواتباد 《cynfti》