أهلاً، كنت في حياتي السابقة ابنةَ نبيلٍ برتبة فيكونت، وصانعةَ أدواتٍ سحريةٍ دموية - 2
(هل يمكن أن أكون قد بُعثت من جديد؟)
عندما بلغت كلُوي الثانية من عمرها، باغتتها فجأةً ذكريات من حياتها السابقة.
في تلك الحياة، كانت تعمل “مُطوّرة أدوات سحرية”. كانت تُولع بالأدوات السحرية أكثر من أي شيء آخر، حتى أنها أصبحت، وهي لا تزال شابة، أهم مطوّرة في مؤسسة بحثية تابعة للدولة، تقضي جل وقتها في تطوير أدوات بأمرٍ من السلطات، دون أن تبالي بأثرها، وأغلبها كانت أسلحة دمار بسبب العصور المضطربة التي عاشت فيها.
ومن بين هذه الأسلحة، صنعت مدفعًا يحوّل محيطه إلى بحر من النيران، وأداةً لغسل الأدمغة، وبندقية تطلق أشعة قاتلة. ولم تُدرك جسامة ما ارتكبته إلا في مقتبل عشرينياتها، حينما غادرت العاصمة لأول مرة متجهةً لمؤتمر علمي. وهناك، على أطراف الحدود، شاهدت أدواتها تُستخدم في الدمار والقتل.
(يا إلهي، ماذا فعلت في غمرة حماسي للبحث!)
ابتكرت أدوات سحرية معقدة وأسعدها الإطراء من المسؤولين، فكانت تدفع بالاختراعات دون أن تتوقف للتفكير في عواقبها.
ولذلك، حينما هاجم العدو مركز الأبحاث في يومٍ من الأيام وأحرقه، شعرت كلُوي براحة عميقة، فهي لم تعد مسؤولة عن أدوات تقتل الأبرياء. وأثناء تدمير المختبر، بينما كان زملاؤها يهربون، بقيت هي متأخرةً في الداخل، تدعو الله بإخلاصٍ أن يمنحها فرصة ثانية.
إن قُدّر لها أن تُبعث من جديد، أرادت أن تعود لتطوّر أدوات سحرية؛ لكن هذه المرة، لتكون خادمةً للسلام وحاميةً لحياة الناس.
وما إن فتحت عينيها، حتى وجدت نفسها قد تحولت من باحثة مرهقة باهتة الوجه إلى طفلة صغيرة وملائكية.
(هذا بالتأكيد هو الفرصة التي منحني إياها الله… لن أكرر ما فعلته في حياتي الماضية.)
وها هي كلُوي، وهي لم تزل في الثانية من عمرها، تعقد العزم على أن تكرس حياتها لخدمة البشرية.
منذ ذلك اليوم، بدأت كلُوي في مراقبة كل ما حولها.
(يبدو أنني ولدت في عصر بعيد جدًا عن زماني السابق، ربما بعد ألف عام!)
وعند قراءة كتب التاريخ في المنزل، اكتشفت أن الإمبراطورية التي استخدمت أدواتها كأدوات قتل قد دُمرت بالكامل بعد سنوات من وفاتها إثر ثوران بركاني هائل حول العاصمة إلى جبال شاهقة.
ومع اختفاء تلك الإمبراطوريات العنيفة وتوالي القرون، تغيّر استخدام الأدوات السحرية جذريًا، فباتت تُستخدم لتحسين حياة الناس، كصناديق تزوّدهم بالماء الساخن، وأخرى تدفئ البيوت، وثالثة تُستخدم للتبريد.
(هذا عالم مثالي!)
وعندما بلغت كلُوي السابعة، سألتها عائلتها عما تود أن تصبح عليه في المستقبل، فردت بفخر:
“أريد أن أكون مُطوّرة أدوات سحرية!”
*
وُلدت كلُوي في أسرة عريقة، تُعرف بأسرة مادنيس ذات النزعة العلمية. كان والدها رائدًا في أبحاث التربة، ووالدتها خبيرة في الزراعة، وإخوتها متخصصين في هندسة الري والمعادن، فكانت هذه الأسرة بمنزلة فريقٍ من العلماء المتخصصين.
تقبّلت عائلتها بشغف ولعها بالأدوات السحرية، ووفرت لها الكتب والأدوات اللازمة لتطوير مهاراتها، دون أن تقلق من كَمّ المعرفة الكبير الذي تملكه مقارنة بعمرها.
وفي سن الثانية عشرة، طوّرت كلُوي جهاز “تنقية المياه السحري” لمعالجة شح المياه الصالحة للشرب في بعض أنحاء المقاطعة، واستغرقها تصميم هذا الجهاز ثلاث سنوات كاملة، لتنجح في النهاية وتحقق اختراعًا ثوريًا.
(سأبذل جهدي لأرفع من مستوى حياة الناس!)
لكن، مع بلوغها الخامسة عشرة، فرضت عليها التقاليد كأرستقراطية أن تلتحق بالأكاديمية الملكية.
“لا يمكنني إهدار ثلاث سنوات من عمري في الأكاديمية!”
رغم احتجاجها، لم يكن أمامها خيار سوى الرضوخ.
لحسن الحظ، جذبت بحوثها انتباه أحد أساتذة الأدوات السحرية في الجامعة المجاورة للأكاديمية، ما مكّنها من التردد على مختبره بانتظام. فكانت تنهي حصصها وتتوجه مباشرة إلى المختبر، وتتغيب عن جميع الفعاليات المدرسية، متفرغة تمامًا لأبحاثها.
وتعرضت لكثير من الانتقادات من زملائها، لكنها كانت تواصل عملها غير مبالية، كأنها طالبة غير مبالية تمامًا بالمجتمع من حولها.
لكن في أحد الأيام، بينما كانت تهمّ بالذهاب إلى المختبر، اقتربت منها إحدى زميلاتها، وهي الكونتيسة كونستانس سوليديد، ذات الشعر الفضي والعيون الزرقاء الحادة، وخطيبة الأمير الأول.
اقتربت كونستانس مبتسمة، على غير المتوقع، وسألت بلطف:
“لماذا لا تشاركين في الأنشطة؟ أهو لسبب محدد؟”
تفاجأت كلُوي من هذا التصرّف غير المتوقع، وأجابت بصدق، “لأنني أريد توفير وقتي للأبحاث.”
أومأت كونستانس قائلةً، “فهمتُك. لكن ألا ترين أنه في المستقبل، سيكون من الضروري وجود داعمين لأبحاثك؟ فكري في زملائك… قد يصبحون داعمين لك في يوم من الأيام.”
وتابعت موضحة، “العلاقات الطيبة تجلب الدعم. والتواجد في المناسبات يترك انطباعًا إيجابيًا.”
ورغم نفورها من هدر الوقت، فكرت كلُوي في صحة كلام كونستانس. ومنذ ذلك الحين، بدأت تحضر الفعاليات، مساعدة من كونستانس التي كانت تلطف الجو حولها في كل مرة.
وعلى الرغم من اختلاف شخصياتهما، فكلُوي المهتمة بالبحث فقط، وكونستانس الاجتماعية والمحنكة، إلا أنهما وجدا بينهما انسجامًا غير متوقع.
ومع مرور الوقت، أصبحت كونستانس ترافق كلُوي في جوانب الحياة التي كانت تجهلها، وتدعّمها بأخلاقها وذوقها النبيل.
(هل هذا ما يُسمى بالصداقة؟)
لأول مرة في حياتها، تكتسب كلُوي شخصًا يمكن أن تعتبره صديقًا، وأرادت بشدة رد الجميل.
وعندما علمت كلُوي بقرب عيد ميلاد كونستانس، قررت إهداءها شيئًا خاصًا. وفي أثناء تجوالها، اشترت منديلاً راقيًا وذهبت بعدها للتجول في محل تحف قديمة، حيث شاهدت سلاحًا أثار دهشتها. كان ذلك السلاح نسخة مطورة من أحد اختراعاتها السابقة.
(لم يسبق لي رؤية نسخة مثل هذه، يبدو أن التكنولوجيا تطورت بعد موتي…)
وبتأملها لسعر السلاح، تراجعت متألمة لضخامة الثمن.
لاحقًا، أهدت كلُوي المنديل لكونستانس، وسرعان ما سرّتها، فحدثتها عن السلاح الذي رأته في المدينة. ردّت كونستانس بابتسامة، “عائلتي تمتلك عدة أدوات سحرية قديمة، لماذا لا تأتي لرؤيتها؟”
وهكذا، خطت كلُوي بخفة إلى قصر عائلة كونستانس، حيث ينتظرها لقاء سيغير حياتها للأبد.