أنا في علاقة سرية مع الإمبراطور لكنني لا أعلم ذلك - 004
“ألا ترين؟ إنها مهمّة أوكلها لي دونوفان.”
أجابت كوني بلامبالاةٍ وهي تزمُّ شفتيها قليلًا.
“أعرف أنّ دونوفان هو من أوكلها إليكِ، لكن أليس من المفترض أنّكِ مسؤولة عن المنطقة الشرقيّة؟”
كانت الوثائق التي سلّمتها لي كوني تتعلّق بالمقاطعات الغربيّة، بل وكانت سجلات معاملات المواد الاستراتيجيّة بين تلك الأراضي.
“ألم تكوني هناك حينها؟ دونوفان، الذي يغرقني بالمهام بالفعل، ألقى بهذه المهمّة عليّ أيضًا وقال لي أنجزها. وأصبحت بالكاد أستطيع الصمود.”
صرّت كوني أسنانها بغضب.
متجاهلةً سلسلة شكاوى كوني، سألت:
“لماذا تم فصل هذه الأوراق على وجه الخصوص؟”
“هذا ما أحاول أن أفهمه.”
كانت وثائق معاملات المواد الاستراتيجيّة بمثابة سجلات ثانويّة. وكان من الأكثر كفاءةً أن يتولّى أندرو، المسؤول عن الأراضي الغربيّة، إعداد هذه السجلات بنفسه.
سادت لحظة قصيرة من الصمت بيننا.
وكانت كوني هي أول من قطع هذا الصمت.
“الآن بعد أن ذكرتِ ذلك، يبدو الأمر غريبًا بالفعل.”
حكت كوني خدّها وهي تتذمّر عن كونها مرهقةً لدرجة أنّها لا تستطيع التفكير بوضوح.
“ظننت أنّ دونوفان يفعل ذلك فقط لأنّه يفضّل السيّد الشاب.”
تابعت كوني كلامها وهي تنقر بإصبعها على الوثائق الموضوعة على المكتب، متذمّرة:
“ذلك الأندرو دائمًا يدّعي أنّه مشغول بمهام أوكلها إليه ابن عمّه البارون، فقط ليتهرّب من المهام الشاقة.”
قد يبدو هذا عذرًا سخيفًا لشخص يتقاضى راتبًا، لكن بالنسبة لدونوفان، المدافع الشرس عن التسلسل الطبقي، كان عذرًا مقنعًا للغاية.
“دونوفان يلهث دائمًا لكسب ودّ ابن عمّ أندرو، الذي يبدو أنّه بارون مرموق.”
وهكذا، كانت المهام التي تهرّب منها أندرو دائمًا تنتهي على مكاتب الموظفين الذين يعدّهم دونوفان أهدافًا سهلة.
[ أوهانا : للأسف هذا الشئ موجود بمجتمعنا العربي ]
“يبدو أنّ ذلك البارون، ابن عمّ أندرو، نبيل ذو شأن كبير. الجميع يشعر بالظلم، لكنّهم مجبرون على قبول الوضع.”
كما أنّ دونوفان كان معروفًا بمضايقة أيّ شخص لا يروق له، ممّا زاد من سوء الوضع.
“إنّه نظام طبقي قذر وغير عادل، لكن هذا هو الواقع.”
كان هذا النوع من الظلم مألوفًا جدًا، باستثناء بعض الحالات النادرة.
“لكن حتى مع ذلك، كان من الأكثر كفاءة أن تُسند المهمّة إلى شخص آخر مسؤول عن المنطقة الغربيّة.”
كوني، التي لم تتعامل سوى مع أراضي المنطقة الشرقيّة، ستضطر أولًا إلى فهم الأساسيات المتعلّقة بالمنطقة الغربيّة.
“بما أنّ الإمبراطوريّة نشأت كاتحاد دول، فهناك اختلافات طفيفة بين المناطق.”
تراوحت هذه الفروقات بين أمور بسيطة، مثل طريقة تسجيل الأرقام في دفاتر الحسابات، إلى أمور كبيرة، مثل نسبة الضرائب التي يتم تحصيلها.
كانت المنطقة الشرقيّة والغربيّة، على وجه الخصوص، تمتلك اختلافات كبيرة، لأنّها لم تتفاعل كثيرًا خلال عهد الحكم القديم.
“ورغم ذلك، أُسندت هذه المهمّة إلى كوني؟ إنّ هذا أمر مريب بالفعل.”
توقّفت عن محاولة الربط بين التحذير الغريزي الذي شعرت به أثناء مشاهدة دونوفان يوبّخ كوني، وبين الشعور بعدم الارتياح الذي شعرت به أثناء فحص الوثائق.
آمل ألا يكون هذا أسوأ السيناريوهات.
هززت رأسي بخفّة لطرد تلك الأفكار، وقلت ممازحة:
“ربما لأنّكِ كنتِ الأسهل بالنسبة له.”
كان كلامي محاولة لتخفيف الجو الذي بات ثقيلًا، لكنّه بدا منطقيًّا جدًا لدرجة غير مريحة.
“التفكير في الكفاءة لم يكن موجودًا في قرارات دونوفان؛ كان دائمًا يرمي المهام على من يراهم أضعف أو أقل أهميّة.”
عندما سمعت كوني تكهّني، ارتجف جسدها وكأنّ قشعريرة أصابتها، ثم تمتمت:
“أن أكون المرشّح الأول في قائمة الأشخاص الأسهل لدونوفان، هذا يجعلني أشعر بالمرارة كيتيمة.”
أطلقت كوني صوت بكاء خافتًا من بين شفتيها، لكنها كانت فقط تتظاهر بالبكاء.
بينما كنت أتردّد في الرد، بدأت كوني تتظاهر بشكلٍ مبالغ فيه، كأنّها ممثّلة مسرحيّة، متظاهرة بالحزن أكثر فأكثر.
“أجل! أنا لا أملك والدين ولا ثروة!”
لو تركتها تستمر دون تدخّل، من يدري إلى أيّ مدى قد يصل تمثيلها.
“هيه! متى قلت شيئًا كهذا؟”
لمنعها من التمادي في دور الملكة الدراميّة، التقطت بضع وثائق أخرى عن مكتبها.
لاحظت كوني سماكة الأوراق التي أخذتها، فتوقّفت عن التظاهر بالبكاء وابتسمت برضا.
“لكن بدلًا من ذلك، لدي كارولينا دياز!”
[ اوهانا : مشجعين ريال مدريد حصلنا بنت لاعبكم ]
بدأت كوني ترقص رقصة غريبة وتردّد عبارات عن كون مشاركتها الغرفة معي في الأكاديميّة أعظم حظّ في حياتها.
بالطبع، كنت أعلم أنّها تمزح وتتظاهر بالحزن، لكن التغيّر المفاجئ في موقفها كان مذهلًا.
“كنت سأساعدكِ حتى دون كل هذا التمثيل.”
ألقيت عليها نظرة جانبيّة وعدت إلى مقعدي، ثم أمسكت القلم وبدأت العمل مجددًا.
“المنطقة الغربيّة معقّدة للغاية، ربما بسبب وجود الكثير من مناجم الحديد.”
كانت دوقيّة كاميلوت، التي تهيمن على المنطقة الغربيّة، تمتلك العديد من مناجم الحديد، مما جعل المعاملات الماليّة لعائلاتها التابعة معقّدة بشكل خاص.
“للوهلة الأولى، يبدو أنّهم اقترضوا أموالًا أثناء المجاعة، لكنّهم حين عجزوا عن السداد نقدًا، قاموا بتسديد الدين على هيئة بضائع.”
كانت العقود تُجزّأ وتُعاد جمعها، ثم تُنقل من مكان إلى آخر، مما جعل فهمها أمرًا صعبًا.
“لا عجب أنّ السيّد الشاب فرّ من هذه المهمّة.”
شعرت أنّني أخذت على عاتقي عملًا أكثر مما توقّعت، لكنّني قرّرت استغلال الوقت الذي كنت سأضيّعه في الندم لمراجعة المزيد من الأوراق.
رغم إجهاد عيني، أجبرت نفسي على تقليب الأوراق صفحةً تلو الأخرى.
كانت كوني تعمل بصمت أيضًا، على ما يبدو أنّها أرادت إنهاء العمل بسرعة والحصول على قسط من الراحة.
وهكذا، بقينا أنا وكوني في المكتب، نعمل بجدّ حتى بزوغ الفجر.
“كنّا نعمل ونتنفّس، لا أكثر.”
بفضل جهودنا، تمكّنا من إنهاء كل شيء قبل أن يعود دونوفان من خروجه الذي ادّعى أنّه كان مجرّد استراحة قصيرة.
سلّمت التقرير المكتمل إلى كوني، التي بدورها، بدأت تغنّي أغنية جديدة بعنوان “كارولينا دياز أعظم شريكة غرفة في العالم”، وهي ترقص بسعادة.
“أسرعي وقدّميه للموافقة.”
“بالطبع. شكرًا جزيلاً، لينا.”
بعد أن حصلت كوني على موافقة دونوفان على الأوراق، غادرت على الفور وهي تردّد أنّها على وشك الموت من الإرهاق.
أمّا دونوفان، فلم يكن ليفوّت الفرصة للتذمّر، قائلًا إنّ كوني تفتقر إلى القوّة الذهنيّة، لكنّها لم تكترث، لأنّ الأمر لم يكن ذا أهميّة؛ فقد كان لدينا جميعًا عطلة خاصّة لمدة ثلاثة أيام بأمر من الإمبراطور.
“من الطبيعي ألا تُفلح محاولاته للتوبيخ. إنّها أوامر الإمبراطور، بعد كل شيء.”
معظم الموظّفين لم يحضروا للعمل في ذلك اليوم، أمّا القلّة الذين حضروا، فقد أنهوا أعمالهم العاجلة وغادروا بسرعة.
أنا أيضًا انتظرت اللحظة المناسبة قبل أن أغادر بحذر.
خشية أن يستوقفني أحد، غادرت القصر الإمبراطوري بخطوات هادئة قدر الإمكان. وبعد أن قطعت مسافة قصيرة، أوقفت عربة نقل مشترك بسرعة.
أثناء الرحلة المهتزة على متن العربة، استسلمت للنوم تدريجيًا، حتى وصلت إلى المنزل أخيرًا.
جمعت آخر ما تبقّى لدي من قوّة، استحممت ثم انهرت على سريري.
في اللحظة التي استلقيت فيها، انقطعت ذاكرتي تمامًا، كأنّ أحدًا ضربني على مؤخرة رقبتي.
لم أعد أعرف إن كان ما حدث نومًا أم مجرّد إغماء.
* * *
“لقد نمتُ جيّدًا جدًّا.”
كانت أشعّةُ الصباح الخافتة تتسلّل عبر النافذة، وعندما تفقدت الساعة، وجدتها تشير إلى السادسة صباحًا.
“هل يُعتبر هذا استيقاظًا مبكّرًا؟”
رغم أنّني أضعت اليوم الأوّل من العطلة، لم يزعجني ذلك كثيرًا. فما زال لديّ يومان متبقيّان.
“كنتُ أرغب في مشاهدة مسيرة الجيش الإمبراطوري وعرض الألعاب الناريّة.”
لكنّ الأمر لم يكن مخيّبًا للغاية. قضاء بعض الوقت في القيام بالأعمال اليوميّة المؤجّلة بسبب جدول العمل المزدحم بدا فكرة جيّدة.
“حسنًا، سأحضِر بعض الوجبات الخفيفة للقطط، وأذهب للتسوّق من متجر البقالة، وأُنظّف المنزل.”
بعد أن انتهيت من التحضير للخروج السريع، أخذت بعض شرائح الدجاج المجفّفة من خزانة المطبخ.
عندما وصلت إلى حديقة غريزيل، حيث تعيش القطط، بدأت أناديها بهدوء:
“دوري، مي، فا، سول، أين أنتم؟”
بعد أن ناديتهم مرّتين أو ثلاثًا، وأنا أراقب المارّة، بدأت القطط تظهر واحدةً تلو الأخرى من بعيد.
وكان “سول”، الأكثر دلالًا بينهم، أوّل من اقترب منّي وفرك جسده بساقي تحيّة.
“لقد مرّ وقت طويل، أليس كذلك؟”
وكأنّ اسمها يُناسبها، أطلقت “سول” مواءً رقيقًا بأعلى طبقة صوتيّة، بدا لطيفًا للغاية.
قدّمت لقطعان القطط شرائح الدجاج واحدةً تلو الأخرى.
كانت القطط تحمل الشرائح الكبيرة بفمها وتبتعد قليلًا لتبدأ بالأكل.
وعندما انتهت وعادت تطلب المزيد، قدّمت لهم شرائح إضافيّة حتى نفد ما أحضرت.
لحسن الحظ، بعد أن شعرت القطط بالشبع، عادت إلى مواقعها المفضّلة وبدأت تُنظّف نفسها أو تستمتع بأشعّة الشمس وهي تخرخر بسعادة.
نظرت إليهم بعينين راضيتين قبل أن ألوّح لهم مودّعة:
“أراكم في المرّة القادمة.”
بحلول ذلك الوقت، كان متجر البقالة يستعدّ لفتح أبوابه.
بينما كنت أسير باتجاه البوابة الغربيّة للحديقة، التي ما زالت تحت الصيانة، صادفت رجلًا يدخل الحديقة من الاتجاه المعاكس.
كان رجلًا طويل القامة، يُخفي وجهه بغطاء رأس منخفض.
وكان الممرّ المؤقّت المؤدّي إلى البوابة الغربيّة ضيّقًا، بالكاد يتّسع لشخصين، خصوصًا إذا كان أحدهما عريض الكتفين مثله.
تنحّيت جانبًا لأفسح له الطريق.
وعندما رفعت رأسي لأطلب منه المرور أوّلًا، لمحت فكّه من خلال غطاء الرأس، وكان مألوفًا بشكل غريب.
“هاه؟”
لا بدّ أنّ الدهشة ارتسمت على وجهي دون أن أدرك.
“إيفريت روهاس.” أدار رأسه قليلًا، متجنّبًا النظر في عيني.
“لا بدّ أنّني كنتُ أحدّق فيه بشدّة.”
“أمم، يمكنك المرور أوّلًا.”
قلت له وأنا أشعر بشيء من الإحراج.
وبعد أن حدّق بي للحظة، أومأ إيفريت روهاس برأسه قليلًا ومضى.
لم ألتفت إليه مجدّدًا إلا بعد أن ابتعد مسافة كا
فية.
“يا لها من صدفة.”
لم أكن أتوقّع أن ألتقي به مرّة أخرى.
ولم أكن أعلم أنّ هذه الصدفة الغريبة ستتكرّر مجدّدًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505