ألم تكن بطلة في رواية ندم؟ - 017
“… أعتذر.”
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
وضعت فينديا يديها على أذنيها، محاولةً سماع ما قاله.
بالديني، الذي كان يقف بتعبيرٍ متجهم، أغلق فمه بشدَّة. لم يستطع إخراج الكلمات بسهولة.
كان تصرُّفها، الذي بدا وكأنَّها تتجاهل اعتذاره عمدًا، يُثير غضبه.
“… قلتُ إني أعتذر.”
“كرِّر ذلك.”
فتح بالديني فمه بصعوبة مجددًا، لكنَّ كلماته لم تكن مقنعة.
“… قلتُ أعتذر.”
“كرِّر ذلك. أليس من المفترض أن تعتذر بشكلٍ صحيح كما طلبت منك الماركيزة؟”
“أنا آسف! آسف! قلتُ إني آسف!”
أخيرًا، انفجر بالديني في نوبة غضبٍ، مُلقيًا بسلة الفاكهة التي كان يحملها بعنفٍ على طاولة القهوة.
ظل يلهث غاضبًا، بينما نظرت إليه فينديا بابتسامةٍ هادئة أثارت غضبه أكثر. كان يُحدِّق بها وكأنَّه يريد قتلها.
“لو لم تُخفِ هويَّتك منذ البداية، لما حدث كلُّ هذا.”
“لو لم تقم بأمرٍ يستدعي الاعتذار منذ البداية، لما كان عليك أن تعتذر، بغضِّ النظر عن مَن أكون.”
أجابت فينديا بابتسامةٍ مشرقة، مما جعل وجه بالديني يحمرُّ غضبًا.
كان متأكدًا من أنَّه ليس على خطأ، ومع ذلك، ها هو الآن مُجبرٌ على تقديم اعتذارٍ بسببها. لم يستطع تقبُّل الأمر.
صرَّ على أسنانه بغضبٍ واستدار فجأةً.
“بام!”
غادر غرفة الاستقبال غاضبًا، مُغلقًا الباب خلفه بقوَّةٍ حتى اهتزَّ. تردَّدت خطواته الثقيلة في الرواق.
خلفه، كان يُمكنه سماع ضحكات فينديا الساخرة تملأ المكان وكأنَّها تحتفل بانتصارها.
“تبا! تبا! تبا!”
تمتم بالشتائم بغضب، غير قادرٍ على التحكُّم في مشاعره.
كانت فكرة أن تكون والدته على علاقةٍ بتلك المرأة كافيةً لإثارة غضبه. ولم يكن الأمر مجرَّد معرفة عابرة، بل بدا أنَّ علاقتهما كانت وثيقةً وحميمة إلى حدٍّ بعيد.
والأسوأ من ذلك أنَّ تلك المرأة كانت دوقة كالفيرمر السابقة، زوجة دوق دينروس كالفيرمر، الذي يحظى الآن بدعم الإمبراطور.
“لا، هذا لا يهم. لقد طُلِّقت الآن.”
ما إن ينتهي الزواج، يصبح الطرفان كالغرباء. قد تنشغل والدته بها لفترةٍ قصيرة، لكن ذلك لن يستمر.
ولكن، بغضِّ النظر عن أي شيء، لن ينسى الإهانة التي تعرَّض لها اليوم.
بعضلات فكه المشدودة، شقَّ بالديني طريقه خارج القصر، دافعًا الأبواب بعنف.
“ماركيز!”
ركض غريغوري، الذي كان ينتظره، نحوه فور رؤيته.
لكن بالديني، الذي لم يتمكَّن من كبح غضبه، رفع يده وصفعه بقوَّة.
صفعة!
كان صوت الصفعة مدوِّيًا، حتى أنَّ غريغوري لم يتمكَّن من إصدار صوت، واكتفى بوضع يديه على مؤخرة رأسه بألم.
“لو أنَّك لم تُثر تلك الفوضى، لما كنت في هذا الوضع الآن!”
“… أعتذر، سيدي.”
ضغط غريغوري على شفتيه، مُحاولًا كبح مشاعره المتضاربة بين الإهانة والغضب.
كان يعلم أنَّه قد تعرَّض للضرب دون سببٍ واضح، لكنَّه لم يجرؤ على إظهار مشاعره.
“اختفِ من أمامي الآن!”
“ولكن، ماركيز! ألم تقل إنَّك ستدعم عائلتي في التصويت؟”
“اصمت! ألا تفهم الوضع؟ هل تعرف ما نوع الإهانة التي تحمَّلتها بسببك اليوم؟!”
رفع يده مرةً أخرى وكان على وشك أن يضربه، لكنَّه في النهاية أنزلها مصحوبةً بتنهيدة إحباط.
“لا أفهم… لماذا اضطررت للاعتذار لتلك المرأة؟”
“أيها الأحمق! هل تعتقد أنَّني سأشرح لك؟ ابتعد من طريقي!”
غير قادرٍ على قول شيء بسبب تعليماتٍ صارمة من والدته، دفع بالديني غريغوري بغضبٍ جانبًا، وواصل سيره عبر الفناء.
ظلَّ غريغوري يُحدِّق في ظهر بالديني حتى اختفى عن الأنظار. ومع مرور عربة بالديني بعيدًا عن القصر، وقف غريغوري هناك، مُحاولًا كبح إحساسه بالخسارة.
وبمجرد أن اختفت العربة عن الأنظار، تحوَّلت نظرات غريغوري، التي كانت مليئة بالغضب، نحو القصر.
نظر إلى المبنى الفخم بعينين مليئتين بالكراهية، مُتوعدًا بألَّا ينسى هذه الإهانة أبدًا.
* * *
“لا عجب أنَّها تحظى بشعبيَّة.”
كانت هذه ملاحظة فينديا عندما زارت “ذا لاين” مجددًا بعد بضعة أيَّام.
عندما زارت المكان لأوَّل مرَّة، لم تُركِّز كثيرًا، لكن الآن، وبعد أن أمعنت النظر، فهمت لماذا يجذب الشباب بهذا الشكل.
“ذا لاين” كان أشبه بمجمَّع تجاري متكامل يحتوي على كلِّ ما يجذب الناس. لم يكن من الصعب معرفة كيف نجح خلال عامٍ واحد فقط.
ومع ذلك، وبفضل خبرتها السابقة في العمل بقسم التسويق، لم يكن من الصعب عليها ملاحظة العيوب فورًا.
تمَّ تقسيم شارع التسوُّق إلى ثلاثة أقسام: الأوَّل، الثاني، والثالث.
وعلى الرغم من أنَّ الأقسام الثلاثة تشترك في كونها جزءًا من مجمَّعٍ تجاري واحد، إلا أنَّها تفتقر إلى السمات أو الطابع المميَّز لكلِّ قسم.
لهذا السبب، كان معظم الناس يتوافدون إلى القسم الأوَّل الذي يشتهر بالمطاعم الفاخرة. أما القسم الثالث، فكان بالكاد يستقبل نصف عدد زوَّار القسم الأوَّل، في حين كان القسم الثاني شبه مهجور تمامًا.
“هل تُفكِّرين في بدء مشروعٍ تجاري حقًّا؟”
“ليس بالضرورة، لكن لا بأس بمعرفة الأمور. يمكن اعتبارها دراسةً للسوق.”
“أوه، دراسةٌ للسوق! يبدو الأمر مُثيرًا للإعجاب. إذا افتتحتِ مشروعًا ونجح، أشركيني معكِ!”
قالت ساشا بنبرةٍ تجمع بين الجدِّ والمزاح وهي تضحك. ابتسمت فينديا وأومأت برأسها بخفَّة، موافقة.
كانت ساشا قد تلقَّت راتبها حديثًا، وأرادت تجربة تورتة يشتهر بها هذا المكان، لذا قرَّرتا زيارة “ذا لاين”.
“سأقف في الصف. أخيرًا سأحصل عليها!”
“ساشا.”
بينما كانت ساشا على وشك الاندفاع بحماسٍ نحو الصف، أوقفتها فينديا.
“ادفعي بهذه.”
“واو! حقًّا؟”
“نعم، ولا تنسي شراء واحدة لكريس أيضًا.”
“…!”
ما إن مدَّت فينديا لها المال حتى اختفت البسمة من وجه ساشا، وحلَّ محلَّها تعبيرٌ متجهِّم، حتى إنَّ التجاعيد ظهرت على أنفها.
“لا تُفرِّقي في الطعام.”
رغم تذمُّرها، أخذت ساشا المال الذي قدَّمته فينديا في النهاية.
“حسنًا… فهمت.”
على الرغم من عدم رضاها، إلا أنَّها سرعان ما اقتنعت، ربما لأنَّها شعرت أنَّها تُبالغ في ردِّ فعلها.
“إذن أراكِ بعد قليل.”
بعد أن افترقت عن ساشا، بدأت فينديا تتجوَّل ببطء في القسم الأوَّل، الذي كانت قد ألقت نظرة عليه من قبل، لتُعيد تفحُّصه بدقَّةٍ أكبر.
“أعتقد أنَّ افتتاح مقهًى فكرةٌ جيِّدة.”
فكَّرت في استهداف أذواق الشابات النبيلات، معتقدة أنَّ مشروعًا كهذا يمكن أن يُحقِّق نجاحًا كبيرًا.
تمامًا كما يفكِّر شخصٌ في كيفية إنفاق أموال جائزة اليانصيب، بدأت فينديا تُخطِّط في ذهنها لديكور المقهى وقائمة المشروبات.
كان لديها سبب لاهتمامها الشديد بالمشاريع التجارية.
“تهانينا على بدايتكِ الجديدة.”
تلك الكلمات التي قالتها إلستين بقيت محفورة في قلبها، مثل دفءٍ لا يزول.
بداية جديدة.
كان إدارة القصر أمرًا جيِّدًا، لكنه كان شيئًا قدَّمه لها دينروس.
أما فينديا، فقد أرادت أن تمتلك شيئًا صنعته بنفسها من البداية. بالنسبة لها، هذا هو المعنى الحقيقي للبداية الجديدة.
وبينما كانت تُفكِّر في كيفية تحقيق ذلك، وجدت نفسها قد وصلت إلى نهاية القسم الأوَّل، حيث أصبح المكان خاليًا تقريبًا من الناس.
في تلك المنطقة، لم تكن هناك متاجر، بل مستودعات، لذا كان من النادر أن تجد أي شخص هناك.
استدارت لتعود إلى الشارع الرئيسي.
“آه…!”
في تلك اللحظة، وقعت عينها على اللؤلؤة الصغيرة التي كانت مُثبَّتة على بروشها. سقطت اللؤلؤة وبدأت تتدحرج حتى دخلت إلى زقاقٍ مظلم.
كانت واحدة من القطع التي سرقتها من مجوهرات والدتها، وكانت بالتأكيد باهظة الثمن.
لم يكن لديها خيار سوى اللحاق بها، فركضت بسرعة إلى داخل الزقاق المظلم.
“أين هي؟ الظلام يجعل من الصعب رؤيتها.”
كان الزقاق معتمًا، وظلاله زادت من صعوبة رؤية الأرضية.
بحثت بعينيها المركّزتين على الأرض، حتى شعرت فجأة بشيء يلامس طرف حذائها.
لم تكن اللؤلؤة.
كان جسمًا ثقيلًا وأسود، يُشبه ساق إنسان.
“…!”
رفعت رأسها مصدومة، لتجد نفسها وجهًا لوجه مع امرأة.
كانت المرأة تمسح بهدوء بقعةً من الدم على وجهها.
لم تستطع فينديا الحراك من مكانها، متجمِّدةً من الصدمة، بينما تحرَّكت عيناها تلقائيًا إلى الأسفل.
كان ما لامس طرف حذائها ليس سوى جسد رجلٍ ملقى على الأرض بلا حراك.
يا إلهي…
في تلك اللحظة، بدأت إشارات الخطر تدقُّ في عقلها.
“أوه؟ يبدو أنَّكِ كشفتِ أمري.”
مال رأس المرأة بزاويةٍ غريبة وهي تتحدَّث.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505