أريد إلغاء هذه الخطوبة - 9
هكذا مرت بضعة أيام.
لم تصل أي أخبار من دوقية لودفيغ، وبما أن إيف لم تعد تملك الصبر للمزيد من الانتظار، فقد نزلت حاملة أمتعتها.
“أنا سأغادر الآن.”
“إيف، هل تنوين الرحيل فجأة هكذا؟ وماذا عنّا؟”
“نواه موجود هنا.”
أشارت إيف إلى نواه، الذي كان واقفًا بجوارها بوجه غير مكترث. عندها، هزّت الكونتيسة رأسها بحزن شديد.
“الابن والابنة أمرهما مختلف.”
“وما الفرق؟ الأمر كله يعتمد على ما إن كان هناك شيء بين الساقين أم لا.”
انفجر نواه غضبًا من كلمات إيف الصريحة.
“أنتِ حتى النهاية…!”
“لهذا لا تفرّقوا بيننا. نواه أيضًا عائلتي.”
لطالما عاملها الكونت وزوجته وكأنها إصبع اليد الصغير المصاب، مما جعلها تشعر بعدم الارتياح طوال الوقت.
والآن، بعد أن فهمت السبب، أصبحت أكثر رفضًا لهذا الوضع.
“إذا التزمتُ الصمت واختفيت، فستنتهي الأمور عند هذا الحد. لا أريد أن تتفاقم المشكلة أكثر.”
أمام نبرة إيف الحازمة، لم يجد أحد ما يقوله. ساد صمت ثقيل، فتنهّدت إيف وهي ترفع أمتعتها.
“سأساعدكِ.”
بشكل غير متوقع، مدّ نواه يده للمساعدة، لكن إيف هزّت رأسها رافضة.
“لا داعي، أنا أقوى منك.”
ظلّ نواه صامتًا مندهشًا، ولم يستطع الاعتراض، لأنها لم تكن مخطئة تمامًا. تنهدت إيف أمام هذا الموقف العبثي.
‘كنت أحب كوني قوية عندما كنت صغيرة.’
بل والأسوأ أن قوتها تلك لم تكن سوى نتيجة فائض طاقتها السحرية.
شعرت ببعض الإحباط حين أدركت أن هناك العديد من الأدلة التي كانت تشير إلى سرّ ميلادها طوال الوقت.
فجسدها كان أقوى مما توقعت، حتى إن ادعاءها بأنها مصابة بمرض عضال بدا بلا معنى.
حتى بعد أيام من الجوع، لم يظهر عليها أي أثر للضعف.
‘لهذا السبب أنا الزعيمة النهائية، أليس كذلك؟’
في القصة الأصلية، كان الخصوم الحقيقيون عبارة عن طائفة سرية عقدت اتفاقًا مع الشياطين لقتل القديسة، وكانت تلك الطائفة في الأساس جزءًا من المعسكر المناهض للإمبراطورية.
وبالنظر إلى الاحتمالات، فمن المؤكد أن أفراد عائلتها كانوا ضمن هذه الطائفة السرية.
وهذا يعني أن إيف، نفسها، كانت العقل المدبر وراء كل ذلك.
لكن أبطال الرواية كانوا باليريان و يوري.
وهذا يعني أنه لا توجد أي فرصة لفوز إيف عليهم.
‘لأنني لست البطلة!’
عادة، يكون دور الزعماء الأشرار في القصص هو مجرد وسيلة لتعزيز الحب بين الأبطال.
لم يكن الموت وحده كافيًا، بل كان عليها أيضًا أن تلعب دور كيوبيد لحبهما، وهذا ما جعلها أكثر غضبًا.
في تلك اللحظة، اقترب كبير الخدم، هارولد.
“عذرًا، لكن هناك رسول من دوقية لودفيغ قد وصل.”
“رسول؟”
تجمّدت تعابير الجميع، بمن فيهم إيف والكونت وزوجته.
إرسال رسول بين العائلات النبيلة لا يحدث إلا في حالات تتطلب تبادل رسائل سرية.
وهذا يعني أن الأمر غالبًا ما يكون متعلقًا بشيء في غاية الأهمية.
“أدخله فورًا.”
أومأ هارولد برأسه وجلب رسول دوقية لودفيغ.
بمجرد دخوله، تحدث الكونت على الفور.
“ما الأمر؟”
“لقد اختفى السيد الشاب، باليريان.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا إيف بصدمة.
لم تكن تتوقع هذا. كيف يمكن أن يكون أول خبر تحمله الدوقية لها هو اختفاء باليريان؟
“أليس من الممكن أنه في الكنيسة؟”
لكن حتى قبل أن تنهي كلامها، أدركت أن سؤالها كان بلا معنى.
لا يمكن أن تسأل دوقية لودفيغ عن مكان وجود باليريان إن كان في الكنيسة، فهذا مستحيل.
ناهيك عن أن العثور على شخص واحد بالنسبة لدوقية لودفيغ كان سهلًا كسهولة شرب الماء.
“لذلك، نود أن نسأل الآنسة إيف إن كانت تعلم أي شيء بخصوص الأمر.”
“هل أخبركم عن الموقع الذي اختفى فيه تحديدًا؟”
“شوهد آخر مرة في القصر الإمبراطوري، ومنذ ذلك الحين لم يترك أي أثر. هل رأيته بعد ذلك؟”
“آخر مرة رأيته فيها كانت في منزلنا…”
شعرت إيف بأن الأمور بدأت تأخذ منحى خاطئًا.
“الأمور أصبحت معقدة للغاية.”
قال ولي العهد زافير، وهو يعقد حاجبيه. لم تكن إيف تختلف معه، لذا اكتفت برفع فنجان الشاي بصمت.
“لا يمكننا تأجيل الأمور أكثر. أنوي المغادرة بعد الظهر اليوم.”
أثناء انتظارها، كانت الشائعات عن مرض إيف العضال قد انتشرت في جميع أنحاء المجتمع.
ولعدة أيام، ظلت تبحث عن أي أثر لباليريان، لكن بلا جدوى.
لكنها الآن عرفت أن الوقت قد حان للمغادرة.
‘على أي حال، هو البطل، لذا سيكون بخير.’
كان باليريان فارسًا بارعًا، لدرجة أنه استطاع قطع عنق القائد العام لجيوش الشياطين. حتى لو اختفى لبضعة أيام، فمن غير المرجح أن يكون قد أصابه مكروه.
‘لا بد أن دوق لودفيغ يدرك ذلك أيضًا، ولهذا لا يبدو قلقًا كثيرًا.’
على الأرجح، كان الدوق قد استنتج بالفعل مكان وجوده.
‘وهذا لم يعد شأني.’
بالطبع، لم يكن الأمر وكأنها لم تفكر في باليريان إطلاقًا. السبب الوحيد الذي جعلها تبقى في العاصمة حتى هذه اللحظة هو القلق عليه.
لكنها لم تعد تستطيع الانتظار أكثر من ذلك.
أمام رد فعلها البارد، نظر إليها زافير بتعجب.
“ألم يكن خطيبك السابق؟ ألا تقلقين عليه ولو قليلًا؟”
هزّت رأسها نافية.
“حتى لو كنت قلقة، فلن يغيّر ذلك أي شيء. لذا، لديّ طلب قبل أن أغادر.”
رمقها زافير بنظرة تدل على أنه بانتظار سماع ما تريد قوله.
“هل يمكنك إرسال الطبيب الملكي إليّ بعد بعضك أشهر؟ ويفضَّل أن يكون شخصًا يمكنه توثيق الأمور رسميًا.”
“هذا ليس طلبًا صعبًا، لكنني أود معرفة السبب.”
“أحتاج إلى شهادة وفاة رسمية.”
دون أن يشعر، وضع زافير فنجان الشاي على الطاولة بصوت مسموع، ثم نظر إليها بصدمة.
“أتعنين أنكِ تريدين أن تعيشي كشخص ميت؟”
لم يستطع منع نفسه من طرح السؤال. بدا هذا الأسلوب متطرفًا للغاية.
“لماذا تذهبين إلى هذا الحد؟ هناك الكثير من الطرق لإنهاء خطوبتك من باليريان، ليس عليكِ اللجوء إلى هذا الحل تحديدًا…”
كانت إيف تتوقع أن تسمع هذا السؤال من ولي العهد في وقت ما. فكرت للحظة، ثم قررت أن هذه الفرصة مناسبة لكسبه إلى صفها.
بدأت تتحدث وفقًا لما خططت له مسبقًا.
“أريد أن أصبح شخصًا غير موجود، يا سموّ الأمير.”
“……لا أفهم ما تعنينه.”
“لقد سئمت من كل شيء. سئمت من العيش كخطيبة لباليريان.”
رفرفت عيناها ببطء، متظاهرة بالإرهاق.
“لا يمكنك إنكار أن باليريان هو أكثر رجل مطلوب للزواج في المجتمع.”
بالطبع، لم يكن زافير أقل شأنًا من حيث الوسامة أو المهارات، لكنه كان ولي العهد، وزوجته المستقبلية لا بد أن تكون جزءًا من صراعات سياسية لا مفرّ منها.
إضافة إلى أنه الابن الوحيد، مما يعني أن التنافس على مكان بجانبه أشبه بما يفعله الفراش عندما يندفع نحو اللهب.
لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة لعائلة لودفيغ.
فعلى الرغم من علاقاتهم الوثيقة بالإمبراطورية، فإنهم كانوا يملكون سلطة مطلقة تتيح لهم الانسحاب من الساحة السياسية متى شاؤوا دون أن يجرؤ أحد على انتقادهم.
انتظر زافير إكمال حديثها وهو يومئ برأسه.
“لكن البقاء بجانبه أصعب مما تتخيل. أتعرض لغيرة الفتيات الأخريات، وأحيانًا لضغوط من جهات أخرى.”
ألقت نظرة خاطفة عليه.
كان من الواضح تمامًا من تقصد بـ”الجهات الأخرى”، لكن زافير لم يجد ما يقوله واكتفى بإطباق شفتيه.
“أنا آسف، آنسة إيف.”
“لم أذكر ذلك بحثًا عن اعتذار، بل فقط لأجيب عن سؤالك. وآمل أن يكون هذا جوابًا كافيًا لك.”
“……نعم، إنه كافٍ.”
لكن الحقيقة هي أنه لم يكن كذلك تمامًا.
القول بأنها تريد الاختفاء من هذا العالم لمجرد الضغط الذي تتعرض له بسبب ارتباطها بشخصية بارزة؟ لم يكن هذا منطقيًا بالنسبة له.
“ربما لن يكون الأمر سهل الفهم بالنسبة لك، يا سموّ الأمير. لقد نشأت معتادًا على الاهتمام، لذا لا بد أنك أصبحت مألوفًا مع هذه النظرات.”
التقطت إيف تردده بمهارة، وأكملت حديثها بسلاسة.
عقد زافير حاجبيه محاولًا استيعاب كلماتها.
“قد يكون الأمر كذلك.”
“نعم، لهذا السبب، أريد الآن أن أعيش بحرية، بمفردي تمامًا.”
كان عليها أن تعيش باستقلالية تامة قبل أن تهبط القديسة يوري.
وفي اللحظة التي أومأ فيها برأسه، سُمع صوت طرق على الباب.
—”سموّ الأمير، هناك زائر يطلب مقابلتك.”
“من يجرؤ على المجيء دون إرسال إخطار مسبق؟”
ضيّق زافير عينيه بغضب وأشار للخادم بالسماح له بالدخول.
بدا الخادم مرتبكًا وهو يشيح بنظره جانبًا، مما جعل زافير يشك في أن هناك شيئًا غير طبيعي.
سأله بهدوء: “من هو الزائر؟”
“في الواقع…”
نظر الخادم نحو الباب بتردد.
تبعته إيف بنظرها دون تفكير، وما كادت ترى من يقف هناك حتى كادت تختنق برشفة الشاي التي كانت على وشك ابتلاعها.
“باليريان!”
كيف يكون هنا؟ لقد كان مفقودًا لأكثر من أسبوع!
‘لحسن الحظ، لا يبدو مصابًا.’
كان مظهره مرتبًا تمامًا، باستثناء ظل خفيف تحت عينيه، كما لو أنه لم ينم جيدًا.
بالنظر إلى أنه كان مختفيًا طوال هذه الفترة، كان يجب أن يبدو أكثر إرهاقًا، لكن حالته كانت جيدة جدًا لدرجة أنها شعرت بشيء غير مريح في الأمر.
“باليريان، أين كنت طوال هذا الوقت؟”
عبّر زافير عن نفس السؤال الذي كانت إيف تفكر فيه. بدا عليه الذهول أيضًا.
“مررتُ بمنزل الكونت، وقيل لي إنكِ هنا.”
دون أن يضيف كلمة أخرى، توجه باليريان مباشرة نحو إيف.
ثم، أخرج شيئًا كان يحمله بين يديه.
~ ترجمة سول.
~ واتباد : punnychanehe