أحضر زوجي ابنة الدولة المنهارة - 1
الفصل 1: عاد الزوج، ولكن… ¹
سيعودُ قريبًا، زَوجها المسكين الذي أُجبرَ على الذهاب إلى ساحة الحرب الرهيبة بعدَ شهرٍ واحد فقط مِن الزواجِهما.
الزَوج القاسي الذي بالكاد أرسل رسالةً منذُ بضعة أشهرٍ، كما لو أنْ شيئًا ما قد حدث.
“بدا بصحةٍ جيدة أثناء مراسم الانتصار في النهار. هل مِن المُمكن أنهُ لَمْ يصب بأيِّ أذى؟”
حاولت ليتيسيا تهدئة خفقانِ قلبها منذُ الأمس.
رُغم أنّها كانت لا تَعبد، وهَذا أمرٌ نادرٌ في القارة، إلا أنّها بدأت بزيارة المعابد بشكلٍ مُتكرر منذُ ذهاب زَوجها إلى الحرب. واقتصدت بجهدٍ نفقاتِها الشخصية التي فرضتها عليّها حماتُها الصارمة لتُقدم تبرعاتٍ وتُصلي مِن أجل سلامته.
يبدو أنْ الحاكم قد رَق لحالها، فقد انتهت الحرب أخيرًا بانتصار الإمبراطورية، وعاد زَوجها إلى بلاده بعدَ حوالي عامين كبطل حرب.
“سوف يصل سيادتُه خلال 30 دقيقة.”
مع اقتراب موعد العشاء، أرسل زَوجها خبرًا عبرَ الخادم.
قضت وقتًت مُتأخرًا في الليلة الماضية على ترتيب الوثائق لتَحظى بفرصةٍ لقضاء بعض الوقت معه، ويبدو أنْ جهودها أثمرت. فقد بدا أنْ العشاء اليوم سيكون معه.
سرعان ما رتبت ليتيسيا ملابسها وتوجهت إلى البوابة الأمامية برفقة خادمتها الخاصة.
رُغم عجلتها، وجدت حماتها، السيدة دوبون، قد سبقتها بالفعل بصحبة مجموعةٍ مِن الخادمات.
“تشه!”
عندما رأت السيدة دوبون ليتيسيا، تَجهمت ونَقرت بلسانها قبل أنْ تُدير رأسها بعيدًا.
في الظروف العادية، كانت سَترفع صوتها لتوبخها أمام الخادمات، لكن ردُ فعلها كان أكثر هدوءًا مِن المُعتاد.
“حسنًا، لا بُد أنّها سعيدةٌ بعودة ابنها أيضًا.”
تفهمت ليتيسيا مشاعرها تمامًا وتجاهلت تَصرُفها، مُنتظرة بصمت.
تاكداق! تاكداق!
سرعان ما ظهرت مجموعةٌ مِن الرجال على ظهور الخيل بصوت حوافرها القوي. كانوا فُرسان وجنود عائلة الماركيز الذين خرجوا إلى الحرب.
عندما رأت في المُقدمة رجُلاً وسيم الملامح بشعرٍ أشقر وعينان زرقاون، استرخت مِن توترها قليلاً. كان ذَلك هو إليوت.
اقترب إليوت مِن البوابة وأوقف حصانهُ ببطء، وحين التقت أعيُّنهما، لمح في ليتيسيا أسئلتها الصامتة: ‘هل أنتَ بخير؟ هل تعرضتَ لأيِّ أذى؟’
وكأنهُ فهم ما أرادت قوله، أومأ برأسهِ بخفةٍ قبل أنْ ينزل عن الحصان، متوجهًا أولاً إلى السيدة دوبون.
“لقد عُدت، أمي.”
“أوه، يا ابني!”
بدت السيدة دوبون، التي كانت عادةً مُتجهمةً وجادة كأنّها ترتدي درعًا، وهي تُعانقه غيرَ مباليةٍ بالغبار الذي يكسو درعه.
“يا إلهي! لماذا يبدو وجهُكَ شاحبًا إلى هَذا الحد؟”
“أعتقد أنْ هَذا بسبب التَعب. لا تقلقي، فقد عُدت سالمًا دوّن أيِّ إصابات.”
“عودتكَ سالمًا هي ما يَهُم حقًا.”
أضافت ليتيسيا بهدوء وهي تُراقب السيدة دوبون بعنايةٍ.
كلماتُها كانت دقيقة، فوجهُ إليوت بدا نحيفًا قليلاً، مِما جعل ملامحهُ أكثر وضوحًا ومظهرهُ حادًا وجعله يبدو أكثر بطولية. ومع ذَلك، شعرت ليتيسيا بالحُزن وهي تتخيل ما عاناه في ساحة الحرب القاسية.
“لقد تحملتِ الكثير مِن المسؤوليات أثناء غيابي، مِن إدارة القصر والإشراف على الأراضي. أشكركِ على ذَلك.”
كلمات إليوت خَففت قليلاً مِن عبء السنوات الماضية عنها.
“هَذا واجبي. لا بُد مِن أنكَ مُرهق. ادخل واستحم، لقد أعددنا الطعام المُفضل لديك.”
“قبل ذَلك، أريدُ أنْ أقدم لكم شخصًا ما.”
قال إليوت ذَلك قبل أنْ يستدير بخطواتٍ واثقة نحو العربة الواقفة خلفه.
“… أليست هَذه عربة نقل المُصابين؟”
شعرت ليتيسيا بعدم الارتياح يتَسللُ إلى عمودها الفقري للحظةٍ قصيرة.
ثم انفتح باب العربة وخرجت امرأةٌ ذات شعرٍ أحمر مائل إلى البُني وعينين خضراوين، كانت تتلقى المُساعدة مِن إليوت أثناء نزولِها.
اهتزت عيّنا ليتيسيا بعنفٍ.
“مَن هَذهِ المرأة؟”
لأول مرةٍ منذُ زواجها، شعرت أنْ صوت حماتها الحاد كان مُرحبًا بهِ، لأنّها أرادت أنْ تسأل نفس السؤال.
“إنّها المرأة التي أنقذت حياتي في ساحة الحرب. أديلين، قَدمي نفسكِ.”
كانت المرأة الغريبة، بِجمالها الرقيق، مُختلفةً تمامًا عن ليتيسيا التي امتلكت جاذبيةً ناضجة، إذ كانت أديلين تشبهُ وردةً مُتفتحةً بألوان زاهية.
“أنا أديلين مِن عائلة الكونت شالامي. كان لي شرف التعرف على الماركيز بالصُدفة، وتلقيتُ منه الكثير مِن الدعم.”
“شالامي؟”
رغم أنْ ليتيسيا حفظت أسماء كُل العائلات الكونت فَما فوق، لَمْ تكُن هُناك أيُّ عائلةٍ تحملُ هَذا الاسم في الإمبراطورية.
‘إذن، لا بُد أنّها مِن عائلةٍ أجنبية…’
بدت ليتيسيا في حيرةٍ وهي تَنظرُ إلى أديلين، التي قابلت نظرتها بابتسامةٍ خفيفة رفعت زوايا شفتيها.
شعرت ليتيسيا ببرودةٍ مُفاجئةٍ، ثم سمعت كلماتٍ أكثر برودة.
“سَتبقى في القصر لفترةٍ مِن الوقت، لذا أرجوكِ…”
أصبح وجهً زوجها وصوتهُ الذي افتقدته بشدةٍ غريبين فجأة.
“أرجوكِ، اعتني جيدًا بأديلين. أثقُ أنْ حكمتكِ ستجعلُكِ تُعاملين مُنقذتي بشكلٍ لائق.”
مرّت ذكرياتُ العامين الماضيين أمام عينا ليتيسيا كـ سرابٍ سريع.
[تُرى، هل تلقت تعليمًا لائقًا في مَنزلها؟ يبدو أنّها لَمْ تتلقى شيئًا مِن مظهرها.]
[ابنةُ عائلة بارون مُتَدنية تتزوجُ مِن ابن عائلة ماركيز ناجحة! إننا لسنا في رواية، ومع ذَلك، يحدُث هَذا في الواقع.]
[شش، ماذا لو سمعت السيدة ما تقولينه؟]
كانت الأيام التي دخلت فيها ليتيسيا إلى منزل الماركيز مليئةً بالهمسات التي تُعاملها كغريبةٍ، مُستندةً فقط إلى ثقتها بزَوجها، زميلها مِن الأكاديمية، لكنها تجاهلت كُل ذَلك وحاولت جاهدةً التأقلم مع عائلة الماركيز.
[سيدتي، يُرجى مراجعة هَذهِ الوثائق أولاً. بسبب العواصف الثلجية، أصبحت الإمدادات قليلة، ويُعاني حوالي ربع القوات التي يقودها السيد مِن الصقيع، مِما أدى إلى انخفاضٍ حاد في القوة القتالية.]
[سيدتي، سمعتُ أنْ رُبع الأراضي الزراعية في منطقة أوليفر غمرتها الأمطار الغزيرة تمامًا. إذا استمرت الأمور على هَذا الحال، سينخفض المحصول في تلكَ المنطقة بنسبة تَزيد عن 30% هَذا العام!]
كانت الأيام التي أمضتها منشغلةً بمناقشة الخُطط مع الخدم والمسؤولين لمُعالجة المشكلات الناجمة عن الظروف الجوية القاسية، بالكاد تتناول الطعام أو تحصل على نومٍ كافٍ، كانت مُرهقةً ومُتعبة.
بذلت تلكَ الجهود والوقت، لكنها شعرت كما لو أنْ كُل شيء يتسربُ مِن بين أصابعها كحبات الرمل.
“لنذهب إلى الداخل الآن، لا بُد أنكَ مُتعب.”
قالت السيدة دوبون بنظرةٍ غيرُ راضيةٍ نحو أديلين، ثم اصطحبت إليوت ودخلت القصر بسرعة.
“سيكون مِن الجيد أنْ تُشاركنا أديلين الطعام. لقد كنتُ مُنشغلاً بالحرب ولَمْ أتمكن مِن تقديم وجبةٍ لائقةٍ لمُنقذة حياتي، وكان ذَلك يُزعجني باستمرار.”
قدّم إليوت سببًا وجيهًا وأدخل أديلين إلى قصر الماركيز برفقتها.
وقفت ليتيسيا في الخلف تُراقب المشهد وكأنّها غريبةٌ، بينما ارتجفت شفتيها.
***
منذُ أنْ عاد إليوت وحتى اللحظة التي دخلوا فيها إلى قاعة الطعام، لَمْ تتذكر ليتيسيا كيف مضى الوقت.
في البداية، كان مِن المُقرر أنْ يكون العشاء مُخصصًا فقط للعائلة، وعلى رأسهم إليوت باعتباره بطل اليوم، لكن تم إضافة مقعد إضافي على عجل.
على الرغم من الشكوك حول صحة كونها ابنة عائلة كونت، إلا أنْ أديلين أظهرت براعةً مثاليةً في استخدام أدوات الطعام، مِما يعكسُ تعليمها الراقي.
أما السيدة دوبون، التي كانت تُراقبها بنظرةٍ حادة كالصقر الذي يترقبُ فريسته، فقد شعرت بالانزعاج عندما لَمْ تجد أيَّ خطأ في تصرفاتُها، وركزت حديثها اللطيف على ابنها فقط.
“كنتُ أشعر بالرعب كُلما قرأتُ في الصحف عن مشكلات في إمدادات الجيش. كيف كنتَ تأكل في ظل تلكَ الظروف؟”
“تحسن الوضع بشكلٍ كبير بعد أنْ تولى الكونت نوكس مسؤولية الإمدادات، بالإضافة إلى تحسُن الطقس. ومع ذَلك، كانت الإمدادات التي أرسلتها عائلتُنا تحت قيادة السيدة ليتيسيا مفيدةً للغاية.”
قال إليوت وهو يبتسمُ ابتسامةً خفيفة، ناظرًا إلى ليتيسيا التي كان وجهُهت جامدًا كـ تمثالٍ مِن الجليدي.
“أنا وجميعُ جنودي نشعرُ بالامتنان لكِ.”
“……حقًا؟”
لَمْ تَشعُر ليتيسيا بأيِّ شيءٍ سوى الإرهاق، بخلاف ما شعرت بهِ عندما سمعت كلمات إليوت السابقة عن تقديرهِ لجهودِها.
على الرُغم مِن الأطباق الفاخرة التي أعدها الطاهي بعناية، إلا أنّها لَمْ تستطع أنْ تشعرَ بطعم شيء، وكأنْ فمها كان جافًا تمامًا.
قالت السيدة دوبون بنبرةٍ صارمة:
“ما هَذا، حتى عندما يُعبر زوجكِ عن امتنانه، لا تُظهرين أيَّ رد فعلٍ مُناسب؟”
“……أعتقدُ بأنني مُتعبةٌ قليلاً لأنني كنتُ مستيقظةً طوال الليل بانتظار عودته. أعتذر.”
“هل يمكنكِ التحكم في تعبير وجهكِ قليلاً؟”
بطبيعة الحال، كان الموضوع الرئيسي للعشاء هو الحرب وتجارب إليوت فيها.
بينما كانت أديلين تتناول الطعام بصمت، نظر إليّها إليوت بعينين مليئتين بالحنان، ثم بدأ الحديث:
“أعتقد أنه يجبُ أنْ أخبركم كيف أنقذت هَذهِ المرأة حياتي.”
“أيُها الماركيز، رجاءًا، لا داعي لذكر ذَلك في كُل مكان. إنهُ أمرٌ بسيط ولستَ بحاجةٍ إلى المُبالغة.”
احمر وجهُ أديلين، وكأنّها تشعرُ بالخجل، مِما أثار انزعاج السيدة دوبون وليتيسيا اللتين لاحظتا تظاهُرها بالتواضع.
للحظةٍ نادرة، توحدت آراؤهما.
بينما بدت ملامحُ الحُزن واضحةً على وجهِ ليتيسيا، اشتعلت عينا السيدة دوبون بحدةٍ كعيني قطةٍ برية.
“نعم، أودُ سماع كيف أنقذتِ ابني.”
في العادة، عندما تندلع الحرب، يتم إجلاء النساء النبيلات إلى مناطق آمنةٍ أو يظلّن في منازلهن تحت حماية الفرسان أو الجنود، لذا فإنْ مواجهة الأعداء في ساحة المعركة أمرٌ نادر.
إلا إذا كانت المرأة فارسةً أو جاسوسة.
امتلأت عينا السيدة دوبون، اللتين تُشبهان عيني إليوت الزرقاوين، بالشك.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》