أجاهد لإنهاء هذا التلبس || I’m Trying to End This Possession - 76
“من فضلك، كف عن مناداتي بالقديسة…” تمتمتُ بضيق وأنا أتأمل الصحيفة بين يدي، عابسةً أمام السطور المكتوبة.
كانت الصحيفة الوحيدة التي تجرأت على مهاجمة حاكم القمر قد ملأت صفحاتها بمقالات نقدية حادة، بينما أغدقت الصحف الأخرى عليّ بمبالغات مستفزة، تصفني بالقديسة لمجرد إنقاذي ضحية من إحدى الطقوس الهمجية.
كيف لهم أن يمنحوني لقبًا كهذا؟
خاصة حين أتذكر أن كارل وأنا قد أنقذنا الفتاة معًا.
“بالمناسبة، ماذا عن تلك الفتاة؟” سألت، محاوِلة كسر الصمت.
“تقصدين الفتاة التي جلبتِها معكِ؟”
“نعم، هي لا غيرها”
“إنها تتلقى العلاج حاليًا.
سنحضرها لكِ بمجرد أن تتحسن حالتها”
“كم سيستغرق ذلك؟”
“يصعب تحديد الأمر الآن.
يبدو أن جروحها النفسية أعمق بكثير من إصاباتها الجسدية.
نحن بحاجة إلى مراقبتها عن كثب لفترة”
“حسنًا، ليثي، أرجوكِ اعتني بها جيدًا”
“لا تقلقي، سأحرص على رعايتها شخصيًا”
بعد مغادرة ليثي، تنهدتُ بعمق.
كم سيستمر هذا الجنون؟ يبدو أن هذه القصة لن تُطوى قريبًا.
ولكن، على نحو غير متوقع، توقفت المقالات فجأة خلال أيام قليلة.
لا ذكر لحادثة كالتوسا، ولا لحاكم القمر.
وكأن تلك الأحداث التي كان يُفترض أن تهز القارة بأسرها قد محيت من الوجود.
شعرت وكأن يدًا قوية تدخلت لطمس كل شيء.
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى أدركتُ من وراء ذلك.
إنها الفصائل التابعة لحاكم القمر، الفصيل الجديد الذي تشكل داخل الفاتيكان، فضلًا عن… عائلة ويندسور.
كان هذا كله بفعل دوق ويندسور، فييغو ويندسور.
—
بعد أن استعدت صحتي قليلًا، جاءني استدعاء من فييغو.
آه…
ماذا الآن؟ هل استدعاني فقط ليغط في النوم؟
كان ممددًا على أريكة طويلة، ساقاه ممدودتان، وعيناه مغمضتان وكأنه غارق في سبات عميق.
ماذا أفعل؟ هل أوقظه؟ لا، بالتأكيد لا.
فييغو يصبح شخصًا آخر إذا أُزعج أثناء نومه.
هل أغادر؟ لكن إذا استيقظ ولم يجدني، قد أواجه مشكلة أكبر.
قررت الانتظار.
كان ينام بسلام… جلست على الأريكة المقابلة، مراقِبةً وجهه الهادئ خلسة.
مظهره في تلك اللحظة كان مشهدًا متكاملًا من الأناقة الأرستقراطية، وكأنه صورة نابضة بالحياة لنبلاء العصور القديمة.
ولكن، آه…
أشعر بالنعاس.
ربما كان ذلك التعب الناتج عن فترة النقاهة.
غلبني النوم في النهاية، فاستلقيتُ على الأريكة، واعدة نفسي بأن تكون مجرد غفوة قصيرة…
شهقة!
استيقظتُ فجأة على إحساس بارد يغمرني.
وحين فتحت عيني، وجدت نظراته الثاقبة تطالعني بتركيز.
“أ-أخي…” تمتمتُ بخجل، وجلست بسرعة.
“متى استيقظت؟”
“منذ فترة كافية لرؤية كل شيء”
“…”
يا للحرج! حاولت التحقق مما إذا كان لعابي قد سال أثناء نومي.
وبينما كنت أمسح شفتي على عجل، قال فييغو بمكر:
“شفتيكِ تبدوان كأنهما وُجدتا لإثارة الفضول”
“ماذا تقصد؟”
“أعني أنهما توحيان وكأنهما ستسيلان لعابًا، لكنهما تخيبان الظن”
“…”
تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني.
—
لم يدم المزاح طويلًا، إذ سرعان ما انتقل فييغو إلى موضوع كالتوسا:
“كيف كانت أراضي كالتوسا؟”
“الأرض كانت أفضل مما توقعت.
المشكلة كانت بمن تبقى هناك”
“وهل الأرض مناسبة لإنشاء السكك الحديدية؟”
“على الأرجح الآن بعد أن فر أتباع الطائفة من المنطقة”
“…”.
عرفتُ أنه المسؤول عن إخفاء الحادثة، لكن كتمت كلماتي.
لا جدوى من مواجهته. ورغم صمتي، كان فييغو دائمًا سريع الفهم.
“عليكِ اختيار السفينة التي ستبحرين بها بحذر، دانا ويندسور”
“ماذا تقصد؟”
“ويندسور قد بنت سفينة البروتستانت بيديها.
نحن من صنعناها”
“…”.
“لكن إن أردتِ، يمكنك القفز إلى سفينة أخرى.
فقط تذكري، السفينة التي تهجرينها لن تستقبلكِ مرة أخرى”
“…”.
كنت مدركة تمامًا لما سيحدث.
إذا انكشفت الجرائم التي ارتكبها أتباع حاكم القمر، فلن يكون هناك من يعاني أكثر من عائلة ويندسور.
عائلة ويندسور، التي ارتبط اسمها بالبروتستانتية منذ نشأتها.
كان والدهم، داميان ويندسور، هو الرجل الذي زرع بذور عبادة حاكم القمر ونشرها بين الأتباع.
فييغو، كرأس لهذه العائلة، تصرّف بمهارة تُحسب له.
لم يكن في تصرفاته مجال للخطأ؛ كل حركة مدروسة، كل كلمة محسوبة.
أما أنا، فقد كان عليّ أن أسير على خطاه، أن أتبنّى هذا الوجه الذي لا يظهر فيه التردد ولا الانفعال.
أن أكون نائبته لم يكن مجرد دورٍ عابر، بل مسؤولية تطلبت مني أن أتقن فن التجاهل حين يتطلب الأمر، وأن أظهر الجهل حين يكون ذلك ضروريًا.
“بالطبع، أوافقك الرأي” قلتها بنبرة مطمئنة.
لكن، في أعماقي، كنت قد اتخذت قراري.
لن أسمح لنفسي بالانزلاق إلى دور الفتاة الساذجة مجددًا.
“لن أترك هذه السفينة، أخي فييغو.
سأبقى معك دائمًا”
على الأقل، إلى أن أنهي هذا التجسد الذي فرضته الظروف عليّ.
“قرار صائب”
أنهى فييغو الحديث بجملة واحدة، ثم سلمني وثيقة.
“اقرئي هذه ووقّعي عليها”
“ما هذه؟”
“شهادة شهود زفافي”
“…”.
للحظة، شعرت أن الكلمات فقدت معناها.
نظرت إليه بدهشة واضحة، محاولة استيعاب ما قاله.
“ما هي شهادة شهود الزفاف؟”
ردّ بنظرة مليئة بالملل، وكأنه يتحدث مع طفلة صغيرة.
“إنها وثيقة تُثبت أنكِ ستشهدين على جميع ترتيبات زفافي”
“لا، ليس هذا ما قصدته!”
زفاف؟ هل سمعتُ ذلك بشكل صحيح؟
شعرتُ بتشويش يلفّ أفكاري.
منذ متى أصبح الزفاف موضوعًا مطروحًا للنقاش؟
“أخي… هل ستتزوج؟”
“عليّ ذلك”
ماذا؟ هكذا فجأة؟ بدا الأمر غير منطقي على الإطلاق.
لقد ظلّ فييغو يتجنب فكرة الزواج طوال هذا الوقت.
والآن، فجأة، يأتي هذا الإعلان وكأنه أمر عادي؟
لم أستطع تجاهل شعوري بالارتباك.
لم يكن مجرد فكرة الزواج هي ما صدمتني، بل توقيتها والطريقة التي طُرحت بها.
من هي التي ستتزوج فييغو؟