أجاهد لإنهاء هذا التلبس || I’m Trying to End This Possession - 46
“كيف لشخص من السلالة المباشرة لعائلة ويندسور أن ينطق بمثل هذا الكلام السخيف!”
كانت تلك الكلمات بمثابة صاعقة نزلت عليّ!
“تقولين بيت شخص آخر؟! هذا القصر هو ملك لعائلة ويندسور!
ليس هناك أي حاجة للإذن، لأن هذا القصر جزء من ممتلكات ويندسور!”
“لِـ-لماذا أنتَ غاضب بهذا الشكل…”
“لأن كلماتكِ كانت بعيدة كل البعد عن اللائق بمقام السلالة النبيلة لعائلة ويندسور!
لقد أهنتِ شرف العائلة بتلك العبارات!”
شعرتُ بصدمة كبيرة من كلماته.
هل تلفظتُ حقًا بكلمات لا تليق بمكانة ويندسور؟ هل حقًا مسستُ كرامة العائلة؟
“مارك كوروز! لماذا لا تعتذر فورًا!”
حَوَّل الكونت كوروز نظراته عني، وكأنه لم يعد يود الخوض في هذا النقاش، وضرب بعصاه الأرض بقوة.
“…”
تحول لون وجه مارك إلى الأحمر القاني، لم يكن يرغب في الاعتذار، فهو لم يستوعب بعد ما الخطأ الذي اقترفه.
لكنه أمام والده، الذي بدا كوحش غاضب، لم يكن أمامه سوى الرضوخ.
“…أعتذر”
ببطء، وبخطى ثقيلة، جثا على ركبتيه.
بدا كأن شعورًا بالإذلال قد كسر شيئًا بداخله.
“أعتذر.
أرجو أن تسامحني على ما أقترفته من اخطاء”
ثم، انحنى الكونت كوروز بدوره بجانب ابنه، وقرع رأسه على الأرض بقوة.
“وأنا أيضًا أعتذر! أرجو أن تتفضلوا بمسامحتي!”
نظرتُ إلى هذا المشهد بذهول.
كان مارك وكونت كوروز راكعين، وقد استسلما تمامًا.
أما المرأة التي كانت تراقب هذا المشهد بصمت، فلم تكن سوى دانا ويندسور.
***
استفاق الكونت كوروز.
وهذا يعني أن مارك كوروز عاد إلى حاله قبل ثلاثة أشهر، بلا نفوذ، بلا ممتلكات، مجرد شاب نبيل ضعيف.
بل أسوأ من ذلك.
“عندما تغادر السلالة النبيلة، سأقوم بتقويمك على نحو صحيح”
وبعد أن علم بما حدث خلال غيبوبته، اشتعل غضب الكونت كوروز كالنار في الهشيم.
“السيدة دانا قد عفت عنك بشكل خاص، ولكنك لن ترث هذه العائلة!”
“أب… أبي! لكنني ابنك الوحيد!”
“سأتبنى وريثًا آخر!”
“أبي!”
“يا لك من أحمق! لا أصدق أن شخصًا مثلك هو ابني!”
انهار مارك على ركبتيه بشكل مروع.
عدم وراثة العائلة.
عدم وراثة القصر.
عدم وراثة أراضي وندسور.
هذا غير معقول! كيف لرجل أن يتنكر لابنه الوحيد مهما بلغت الأمور!
لكن مارك لم يكن وحده في هذا المأزق.
“كيف لشخص من سلالة كارل ويندسور أن يكون بهذا القدر من الحماقة”
حتى أنا لم أسلم من توبيخ الكونت كوروز.
“بدلاً من أن تتصرفي بحزم مع مرؤوسك الذي أثار التمرد، قمتِ بمساعدته!
هذه الأفعال تُلحق العار بسمعة كارل!”
“لم أساعده”
شعرتُ بالمرارة والإحباط.
“اسمع، كنت فقط أسعى إلى المصالحة.
ليس من الصواب دائمًا اضطهاد الآخرين، أليس كذلك؟”
“مصالحة؟ هل تجرؤين على الحديث عن المصالحة؟”
ضحك الكونت كوروز ضحكة باردة، وكأنه سمع أمرًا لا يصدق.
“المصالحة تكون بين الأنداد!”
ثم انفجر بصوت حازم مجددًا.
“عائلة كوروز هي تابعة لعائلة ويندسور! أنهم خدم! وأنتِ تتحدثين عن المصالحة! كيف سمحتِ لنفسكِ بمثل هذه الفكرة المخزية!”
“أنا… كنت فقط أحاول فعل الصواب”
“إن النوايا الحسنة يجب أن تكون أكثر صرامة!”
بدا الكونت كوروز غاضبًا إلى درجة لم يكن يقدر معها حتى على الاستماع إليّ.
“كان عليكِ معاقبته! وبعد أن تثبتي هيبتكِ وتستعيدي ولاءه، كان بإمكانك حينها منحه العفو! لكن المصالحة؟!”
“كل شيء كان يسير على ما يرام! لقد كان مارك يفتح قلبه تدريجيًا تجاه السلالة النبيلة لعائلة ويندسور! انظر، لقد قدم لي هذا العقد كهدية!”
نظر الكونت كوروز إلى عقد الألماس وتنهد بعمق.
“هل تعترفين الآن بقبول رشوة؟”
“ماذا؟” اعترضتُ بصوتٍ مرتجف.
“رشوة؟ لم يكن الأمر كذلك.
كانت مجرد هدية!”
“ذلك العقد تم شراؤه بأموال ويندسور!
من الأموال التي يوفرها دوق ويندسور لإدارة ممتلكات العائلة!”
كان الكونت كوروز يبدو كمن يتملكه غضب حارق، ونظر إليّ بنظرة تفيض بالازدراء.
“بقبولكِ لهذه الهدية،
كيف يختلف ذلك عن تلقي رشوة والتغاضي عن الاختلاس!”
انهمرت دموعي.
لم أعد أفهم شيئًا مما يُقال.
اختلاس، رشوة؟ لم أكن أعرف عن ذلك.
لقد قبلت العقد كهدية فقط، بنية تحسين العلاقات في المستقبل.
ولكن…
“سأرفع هذه الواقعة إلى دوق ويندسور بكل تفاصيلها!”
لكن لماذا انتهى كل شيء بهذا الشكل؟
—
وجهة نظر دانا
“أعتذر مرة أخرى”
“يكفي، فهمتُ الأمر”
سماع نفس الاعتذار مرارًا وتكرارًا بدأ يصبح مملًا.
رغم كل ما حدث، فإن الكونت كوروز يظهر قوة لا تصدق، ربما لأنه قضى عمره في الدفاع عن الحدود.
كانت وتيرة تعافيه مذهلة.
“لكن… هل كنت حقًا ملوَّثًا بأرض الفساد؟”
“نعم”
“هذا غريب.
لا وجود لأرض خراب في نطاق أراضي ويندسور…”
بدا الكونت كوروز محرجًا قليلاً.
“كما تعلمين،
لقد قضيت حياتي بأكملها في هذا الإقليم ولم أُشاهد أبدًا أرض فاسدة.
لم توجد قط في أراضي ويندسور”
“هذا صحيح”
“تحوُّل الأرض إلى السواد وموت كل ما عليها… هذا ما يُعرف بظاهرة أرض الفساد، على حد علمي”
“نعم”
اكتسى وجهي بالجدية.
“كل شيء يهلك في أرض الفساد”
ليس البشر فحسب.
“كل نبتة، كل نملة عابرة، وحتى الفراشات التي تحط على الأزهار.
كلها تتعرض للتلوث وتتحلل”
“…يا له من أمر مروّع*
“بالفعل.
وقد كنت في المرحلة المبكرة من التلوث”
وهذا هو ما يثير الدهشة.
الأشخاص الملوثون بأرض الخراب يهلكون عادة خلال أسبوع، أو في أقصى تقدير، شهر.
لكن أن تظل على قيد الحياة لثلاثة أشهر في هذه المرحلة المبكرة…
وليس ذلك فحسب. الكونت كوروز هو الوحيد الذي تعرض للتلوث أثناء الحفل الطقوسي.
وهذا أيضًا أمر غريب.
هناك شيء غير طبيعي للغاية.
بالطبع، لا أحيط علمًا كاملًا بكل ما يتعلق بأرض الخراب.
أرض الخراب بدأت في الظهور منذ عشر سنوات.
فجأة وبدون سابق إنذار، بدأت أجزاء من أراضي الإمبراطورية في التدهور.
أعلنت العائلة الإمبراطورية أن تلك الأراضي مناطق محظورة.
لكن قبل ست سنوات… بعد أن اكتشفت أن لدي القدرة على التطهير، استعادت تلك الأراضي عافيتها.
قمت بتطهير كل بقعة من أراضي الخراب حتى اعتقد الجميع أنها زالت بالكامل.
ربما كان هناك جزء مخفي من أرض الخراب لم أكتشفه بعد.
بدأ رأسي يؤلمني.
هذا ليس أمرًا يمكن تجاوزه أو إهماله.
قد يتحول إلى كارثة كبرى.
رغم أنني متعبة من هذا العالم… لا أريد أن يُقتل الأبرياء.
“يبدو أنني مضطرة لزيارة شجرة الحارس”
***
كانت شجرة الحارس تقع في أعماق غابة الإقليم.
“إنها شجرة مقدسة يعود عمرها لألفي عام.
شجرة الحارس التي تحمي إقليمنا”
كانت الشجرة ضخمة، كما يُتوقع من شجرة بهذا العمر.
“انظري من حولكِ.
لا يوجد أي أثر لأرض ملوثة هنا، أليس كذلك؟”
“…”
هذا صحيح.
الغابة كانت خضراء وزاهية، ولا وجود لأي من العلامات السوداء التي تميز أرض الخراب.
إذاً، كيف أصيب الكونت كوروز بالتلوث؟
“عائلة كوروز تُقيم حفلًا عند هذه الشجرة مرة كل عام، أليس كذلك؟”
“نعم،
“هل كان هناك شيء مميز هذا العام؟ أي شيء غير مألوف عن المعتاد؟”
“لست واثقًا.
لم يكن هناك شيء خارج عن المألوف”
حك الكونت كوروز لحيته مستغرقًا في التفكير، ثم قال:
“حسنًا، لقد وخزتني شوكة من الشجرة”
“…شوكة؟”
“نعم.
لم يكن الأمر أكثر من قطرة دم، لا شيء يُذكر”
في تلك اللحظة، تملكتني فكرة مرعبة.
هل من الممكن؟
“آنسة دانا؟”
“انتظر هنا.
لا تقترب من الشجرة.
ابقَ في مكانك”
قفزت من على حصاني فورًا.
حاول الكونت كوروز اللحاق بي، لكنني أوقفته بحزم.
“لا تقترب من الشجرة.
انتظر هناك”
مع كل خطوة اتخذتها باتجاه الشجرة، شعرت بشعور غريب بالديجا فو.
متى كان ذلك؟ كان إحساسًا مألوفًا.
كان ذلك عندما كنت يون دانا”
هل كان عندما كنت في التاسعة من عمري؟ لا، ربما كان في العاشرة.
في وقت كنت أضطر فيه للاختباء في علية ضيقة، مطاردة من أقاربي.
تمامًا قبل أن أفتح باب خزانة سمعت فيها صوت فأر يصرخ.
نعم، إنه شعور مشابه لذلك الوقت…
وضعت يدي على جذع الشجرة.
وفي تلك اللحظة، تأكدت.
الشجرة كانت تتحلل ببطء من الداخل.