أتيت إلى هُنا لمُقابلة خطيب والدتي - 2
“سنقومُ بتحضيرِ الطعامِ الآن. أولًا، يجبُ عليكِ الإستحمام.”
كانت كلماتُ إيميت مهذَّبة.
كان سلوكُ الخادمِ المحترمِ والنبيلِ طوالَ الوقتِ مشابهًا تمامًا لتلك الذكرياتِ التي كانت لدى لوسي عن والدتها.
وكان القصرُ كذلك أيضًا، في ذكرياتِ والدتها، كان القصرُ كبيرًا وفخمًا، وكان هادئًا أيضًا.
كان الخدمُ يتحركونَ بشكلٍ نشيطٍ، لكن لم يكن هناك أيُّ ضجيج.
كان ذلك يشبهُ إلى حدٍّ كبيرٍ الانطباعَ الذي لدى والدتها؛ يبدو أن القصرَ يشبهُ تمامًا مالكه.
قالَ إيميت إنَّ الأرشيدوق ليس موجودًا في القصر.
شعرتْ لوسي ببعضِ الاطمئنانِ، فنظرتْ إلى إيميت وهزَّت رأسها ردًا على كلامه.
“سأذهبُ لرؤيةِ أمي أولًا. أريدُ أن أرى كيف يُعالجُ مرضها.”
كان القصرُ الكبيرُ الذي دخلتْه لوسي لأولِ مرةٍ رائعًا لدرجةٍ أنه جعلَ عينيها لا تستطيعانِ التوقفَ عن التحديقِ في أرجائهِ، لكن لم يكن ذلك مهمًا حقًا بالنسبةِ لها.
كانت الأولويةُ بالنسبةِ لها هي ما إذا كان الشخصُ الذي سيعالجُ مرضَ والدتها يعرفُ عنه جيدًا.
وإذا كان هناك شيءٌ يجهلهُ، كان يجبُ عليها أن تخبره.
نظرَ إيميت إلى الطفلةِ للحظة، ثم تحققَ من المكانِ الذي نُقلتْ إليهِ السيدة، ثم تحركَ على الفور.
في تلكَ الأثناءِ، كان الطبيبُ الخاصُّ بالعائلة قد بدأَ في فحصِها.
“أمي.”
أفلتتْ لوسي يدَ إيميت واقتربتْ من السرير.
كانت لوسي تعرفُ مرضَ والدتها جيدًا، لذا لم تسأل الطبيبَ عن أيِّ شيء.
“آه…”
تمكَّنَ الطبيبُ، ديرموت، من تشخيصِ المرضِ بسرعةٍ بعد فحصٍ قصير، ثم نظرَ إلى إيميت بوجهٍ مرتبكٍ.
“إنها مصابةٌ بمرضِ النوم.”
أثارَ كلامُ الطبيبِ دهشةَ الخادمةِ التي كانت تراقبُ بصمتٍ، وأخفضَ إيميتُ رأسه مُطلقًا تنهيدةً حزينةً.
كان إيميت قد خمنَ المرضَ حين رآها نائمةً في العربةِ عندَ البوابةِ الرئيسيةِ.
كما أنَّ التفكيرَ في ما حدث قبلَ اختفائها كان يجعلُ إصابتها بهذا المرضِ أمرًا متوقعًا.
مرضُ النوم، والذي يُعرفُ أيضًا بإسمِ ‘همساتِ الشيطان’، هو مرضٌ لا يُمكنُ الشفاءُ منه.
عادةً ما يُصيب هذا المرضُ الأشخاصَ ذوي القوى الشفائيةِ، ويؤدي إلى زيادةٍ في مدةِ النومِ حتى يموتَ الشخصُ دون أن يستيقظ.
كما يُقال إنَّ المريضَ يحلمُ بأحلامٍ سعيدةٍ للغايةِ مقارنةً بالواقعِ، لذلك سُمي بـ’همساتِ الشيطان’.
ومن المفارقاتِ أنَّ هذا المرضَ يُصيبُ الأشخاصَ الذين كرَّسوا حياتهم لعلاجِ الآخرين.
غالبًا ما تكونُ نهايةُ الكهنةِ الرفيعي المستوى في المعابدِ هي أن يُصيبهم هذا المرض.
“هذه ليست المشكلة. من فضلك، تحقق من وجود أمراضٍ أخرى.”
كانت الوحيدةَ التي لم تبدِ قلقًا هي لوسي، وحثت الطبيبَ على إجراءِ فحوصاتٍ أخرى.
“أمراضٌ أخرى؟”
تساءلَ ديرموت وهو يعبسُ.
نظرًا لأنه لا يستطيعُ فعلَ شيءٍ حيالَ مرضِ النوم، لم يتحققْ من الأعراضِ الأخرى.
إذا حدثتْ مضاعفاتٌ بعدَ مرضِ النوم، فإنَّ تشخيصَ هذا المريضِ كان واضحًا.
كان بإمكانِ الشخصِ الذي يعاني من مرضِ النوم أن يعيشَ لعشرِ سنواتٍ أخرى إذا تمَّ الاعتناءُ به جيدًا.
بالطبع، كان هذا يتطلبُ مالًا كثيرًا، لكن في عائلةِ الأرشيدوق، لم يكن ذلك يمثلُ مشكلةً.
وكان ديرموت أيضًا قد تعرف على هذه السيدةِ التي لم يرها منذ زمنٍ طويلٍ، ففحصَها بحذرٍ.
“إنها مصابةٌ أيضًا بمرضِ وافورد.”
اكتشفَ مرضًا آخرَ لم يكن له علاقةٌ بمضاعفاتِ مرضِ النوم.
ورغمَ ذلك، لم يظهر على وجهِ الطفلةِ أيُّ تغييرٍ، كما لو كانت تعرفُ إصابةَ والدتها بهذا المرضِ مسبقًا.
“أغيراتوم، إيسوب، زهرةُ السمكةِ الصفراء، الماءُ المقدس، و…”
“نحتاجُ إلى زهرةِ الفراشة.”
“نعم، هذا صحيح.”
كان أمرًا مذهلًا أن هذه الفتاة الصغيرة تعرف الوصفةَ الطبية، لكن ديرموت لم يظهر أي تحسنٍ في تعبيرِ وجهه الكئيب.
مرضُ النوم وحده كان كافيًا ليكون علاجهُ تحديًا، فكيف إذا كانت السيدة تعاني من مرضِ وافورد؟ كان هذا المرض أيضًا غير شائعٍ ويعتمد على أعشابٍ نادرةٍ وهو مرضٌ من المستحيلِ علاجهِ تقريبًا.
“ما المشكلةُ إذًا؟”
سألَ إيميت بحذرٍ.
“هناك جميعُ الأعشابِ الأخرى، لكن زهرةُ الفراشةِ من الصعب جدًا العثورِ عليها، في الواقع، هي زهرةٌ لم أرها إلا في الكتب…”
تضاءلَ صوتُ ديرموت تدريجيًا.
كانت السيدةُ التي عادتْ إلى منزلِ الأرشيدوق بعد مرورِ حوالي عشرةِ أعوامٍ قد أصيبتْ بمرضٍ لا يمكنُ فعلُ شيءٍ حياله، وكان الأملُ في علاجها قد تلاشى تمامًا.
وقفَ إيميت متجمدًا من الصدمةِ بعد سماعهِ لكلماتِ الطبيب.
كان اسمُ المرضِ غريبًا وعلاجهُ زهرةٌ لم يسمع عنها من قبل.
لو كان السيدُ موجودًا، لكان قد وجدَ طريقةً للتعاملِ مع الأمر.
لم يعرف ماذا يقولُ للطفلةِ التي جاءتْ وهي تحملُ الأملَ في علاجِ والدتها.
“زهرةُ الفراشةِ موجودةٌ في العربة. كلُّ ما أحتاجه هو الماءُ المقدس.”
أثارتْ كلماتُ لوسي دهشةَ ديرموت.
“هل يوجدُ هنا ماءٌ مقدس؟”
نظرتْ لوسي إلى الطبيبِ ورئيسِ الخدمِ في آنٍ واحدٍ، وعينيها مليئةٌ بالأمل.
بالنسبةِ للوسي التي نشأتْ في الجبال، لم يكن الحصولُ على مختلفِ الأعشابِ أمرًا صعبًا.
كانت الأرواحُ تعلمها دائمًا عن الأمراضِ والعلاجِ اللازمِ لها، لذا لم يكن العثورُ على زهرةِ الفراشةِ النادرةِ أمرًا صعبًا.
ولكن كان هناك شيءٌ لا يمكنها الحصولُ عليه.
الماءُ المقدسُ الذي يُباع فقط في المعابد.
كانت الأرواحُ قد أخبرتها بمكانِ المعابدِ، لكنها لم تكن تملكُ المالَ لشراءِ الماءِ المقدسِ، بالإضافة إلى أنها لم تستطعْ تركَ والدتها وحدها لفترةٍ طويلة.
لولا الماءُ المقدس، لم تكن لوسي لتغادرَ الجبالَ الآمنةَ والهادئةَ وتأتي إلى هنا.
بالطبع، لم ترغبْ بالمجيء إلى المكانِ الذي هربت منه والدتها بإستمرار.
“الماءُ المقدسُ موجودٌ بالطبع! ولكن هل زهرةُ الفراشةِ موجودةٌ بالفعل؟”
سألَ ديرموت مرةً أخرى، وأمرَ إيميت الخادمةَ بسرعةٍ بإحضارِ العربةِ التي تحتوي على الزهرة.
أومأتْ لوسي برأسها بحماسٍ.
كان هناك بالفعل ماء مقدس هنا.
أخيرًا يمكنها علاجُ والدتها.
مرتْ بأيامٍ صعبةٍ مليئةٍ بالتساؤلاتِ حول إمكانيةِ علاجِ والدتها، لكن الآن لم يعد هناك داعٍ للقلق.
“إذن، سأذهبُ أولًا…”
وقفَ ديرموت فجأةً ليتحقق من زهرةِ الفراشةِ، لكنه توقفَ لحظةً عندما نظر إلى الطفلة.
حتى لو تمَّ علاجُ مرضِ وافورد، فإن السيدةَ لن تستفيق.
كان يفكرُ في كيفيةِ شرحِ ذلك لها.
ومع ذلك، عندما نظرَ إلى وجهِ الطفلةِ المشرقِ والمطمئنِ، لم يستطعْ التفوهَ بأي كلمة.
دعنا نبدأُ بعلاجِ مرضِ وافورد أولًا. وبعد ذلك…
قرَّرَ ديرموت تأجيلَ شرحِ مرضِ النوم لبعضِ الوقت.
***
“لو كنتُ أعلمُ أن الطقسَ سيكونُ جميلًا هكذا، لكان من الأفضلِ أن نخرجَ إلى الحديقةِ، سيدتي.”
“سيدتي؟ لا داعيَ للرسمياتِ بيننا. يجبُ أن تبدأي بالتعودِ على مناداتي ‘أمي’ قريبًا.”
ابتسمتْ أودري، بإبتسامةٍ دافئةٍ بينما كانت تنظرُ عبرَ النافذةِ وكأنها تستمتعُ بالنسيمِ العليلِ.
أجابتْ فيريا بخجلٍ: “نعم، أمي”، مما جعلَ أودري تشعرُ بالرضا.
كانت فيريا، الإبنةَ الثانيةَ لعائلةِ إثيليد.
لقد مرَّ شهرانِ منذ دخولِها إلى قصرِ الأرشيدوق كريسميل.
وعلى الرغمِ من أنَّ الأرشيدوق آردين لا يعلمُ بالأمرِ بعد، إلا أنه وبسببِ غيابه كان من السهلِ تمكنها من الدخولِ إلى القصرِ.
لقد كانت فيريا تلاحقُ الأرشيدوق آردين منذ ثلاثِ سنواتٍ، وقد صمدت لفترةٍ طويلةٍ.
شهدتْ أودري العديدَ من السيداتِ اللاتي تمَّ تقديمهنَّ إلى الأرشيدوق آردين، وكان من بينهنَّ سيدةٌ هي من اختارتها وآخرياتٌ تمَّ إرسالهنَّ بناءً على أوامرِ الإمبراطورِ.
لكن الغالبيةَ منهنَّ سئمنَ من برودةِ الأرشيدوق وانتهى بهنَّ الأمرُ بالإستسلامِ.
وكانت فيريا هي المرأةَ الوحيدةَ التي أظهرت صبرًا طويلًا وطلبت مساعدتها في التقربِ من الأرشيدوق آردين.
على الرغمِ من كونها من عائلةٍ ليست ذاتَ شهرةٍ كبيرةٍ، إلا أن لها مكانةً محترمةً.
كان شعرها الأحمر وعينيها الحمراء قد يبدوان حادَّينِ بعض الشيء، لكنها لا تفتقرُ إلى الجمالِ.
بينما كانت فيريا تضعُ فنجانَ الشايِ بهدوءٍ، أومأتْ أودري برأسها بلطفٍ.
‘نعم، أنا لستُ بهذا الجشع.’
كانت هذه الإيماءةُ تعبرُ عن كونها راضيةً بهذا القدرِ.
على الرغمِ من قلقها من حقيقةِ أن الوضعَ الاقتصاديَّ لعائلةِ إثيليد في تدهورٍ خلال السنواتِ الأخيرة، إلا أن هذا لا يُعتبرُ عيبًا كبيرًا.
قد تبدو وكأنها من النوعِ الذي يستخدم الحيلَ، لكنها تطيعُ تعليماتِ أودري جيدًا، لذا كانت تأملُ أن تكونَ مفيدةً بعد زواجها من الأرشيدوق.
لكن ما هو الأهمُّ الآن هو أن يعودَ الأرشيدوق أولًا…
لقد مضى نصفُ عامٍ منذ أن غادرَ الأرشيدوق آردين في حملةٍ لقمعِ الوحوشِ.
ومن المتوقعِ أن يعودَ في غضونِ شهرٍ أو شهرينِ.
وبمجردِ عودته، سيتمُّ عقدُ خطبتهِ من فيريا، وبعد أقلَّ من عامٍ، ستتمُّ مراسمُ الزفافِ.
عندئذٍ، ستنتقلُ إدارةُ العائلةِ إلى فيريا، وستمتلكُ أودري السلطةَ من خلالها.
على الرغمِ من أنها كانت الأرشيدوقة كريسميل، إلا أن أودري لم تكن تملكُ أيَّ سلطةٍ في ذلك الوقت.
فقدتْ جميعَ سلطتها قبلَ تسعِ سنواتٍ عندما انتزعها منها الأرشيدوق.
عندما تذكرتْ ذلك، بدأت قبضتها على فنجانِ الشايِّ تشتدُّ.
لم يبقَ الكثيرُ الآن.
إذا تحليتُ بالصبرِ قليلًا فقط، سينتهي الحالُ الذي أعيشهُ الآن من الإجبارِ المتمثلِ بالعيشِ بشكلٍ مقتصدٍ وعدمِ القدرةِ على إقامةِ الحفلاتِ كما أرغبُ.
لذلك كان عليها أن تواصلَ إقناعَ فيريا إثيليد بأنها كانت السببَ في جعلها تصبحُ الأرشيدوقة.
أن تُدركَ فيريا أنها هي من جعلها الأرشيدوقة، على الرغم من أنها كانت تفتقرُ إلى الكثيرِ في نظرِ الآخرين.
“سيدتي، سيدتي!”
فجأةً، فُتِحَ البابُ، وأفاقتْ أودري من تأملاتها.
كانت إيما، خادمتها المخلصة، التي رافقتها منذ دخولها إلى قصرِ الأرشيدوق.
ولكن الآن كانت سلوكها مختلفًا عن المعتاد.
وضعتْ أودري فنجانَ الشاي بعنفٍ وأدارتْ رأسها.
وجهُها الذي كان دائمًا خاليًا من التجاعيد، أصبح الآن مجعدًا من الغضب.
“عذرًا، ولكن كان الأمرُ عاجلًا للغاية…”
“ماذا حدث؟ هل عاد الأرشيدوق؟”
لم يكن هناك شيءٌ عاجلٌ في ذهنِ أودري سوى هذا، عادت تعابيرُ وجهها كما كانت منذ لحظات.
“إنها… إنها السيدةُ إيسيل، لقد عادت.”
“من..؟”
“السيدةُ إيسيل!”
“ماذا؟ لماذا؟!”
نهضتْ أودري من مكانها بسرعة.
كم مرَّ من الوقتِ منذ آخرِ مرةٍ سمعت فيها هذا الإسم؟ في غيابِ الأرشيدوق، لا أحد يمكنه أن يذكر هذا الإسم أمامها.
كانت قد اعتقدت أنها قد نسته تمامًا.