أتمنّى لو أنّك أحببتني - 9
الفصل التاسع 🩷
بعد أن يظهروا أمام الإمبراطورة وتعترف بهم كأعضاءٍ بارزين في الطبقة العليا لإمبراطوريّة أوهالا، يبدأ النبلاء في الانخراط في حفلات الرقص، والولائم الرسميّة، وحفلات الشاي، والصالونات، أو النوادي، متنقّلين بينها، سواءً لأغراضٍ اجتماعيّة أو بحثًا عن شريكٍ مناسب.
من بين هؤلاء، كانت العائلات التي تمتلك منازل في أماكنٍ راقيةٍ مثل شارع سانتوروتو أو ساحة تومين، والتي لا يمكن دخولها إلا بثروةٍ طائلة، تبدأ أنشطتها في أوائل فبراير.
السبب في ذلك هو انعقاد “مجلس النبلاء التسعة عشر” في مدينة ماخاتشكالا خلال تلك الفترة، حيث ينتمي معظم نبلاء الإمبراطوريّة العريقة إلى هذا المجلس، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى بدء الموسم الاجتماعي مبكرًا.
(بلوفي: “مجلس النبلاء التسعة عشر” هو مجلس تقليدي تجتمع فيه تسعة عشر عائلة نبيلة لمناقشة مستقبل الإمبراطورية.)
كان هذا الموسم المُبكّر، الذي يستمرّ حوالي ثلاثة أسابيع، يُعرف باسم “الموسم الاجتماعي الشتوي”، وكان الرجال والسيدات الذين يُسمح لهم بالمشاركة فيه يُعتبرون نبلاء مرموقين يحظون بتقدير الجميع.
من خلال كلمات تاتيانا، تمكنتُ من استنتاج أن عائلة تولستوي، التي تنتمي إليها إيما، تنتمي إلى طبقة النبلاء العُليا التي تقضي الموسم الاجتماعي الشتوي في ماخاتشكالا. لكن سواء كانت إيما نبيلةً مرموقةً أم مجرد عاملةٍ في الإسطبلات، فلم يكن ذلك يهمني. ما كان يهمني حقًا هو أن فالنتين قد يستغل هذا الموسم كحجةٍ ليبدو مشغولًا جدًا، وهذا ما يقلقني كثيرًا.
“من الواضح أنه يضع جدولًا مزدحمًا عمدًا ليتجنّبني. بهذه الطريقة، سيكون لديه عذرٌ لرفض دعوتي المتكررة له!”
“يا هرّتي الصغيرة، قد يكون هذا مجرد سوء فهمٍ منكِ. لا يوجد أحد في ماخاتشكالا مشغولٌ أكثر من فالنتين دميتريف الآن. هناك طوابيرٌ من الأشخاص ينتظرون فرصةً للتحدّث معه قبل بلوغه سن الرشد.”
“لا، الأمر مختلف. حدسي يخبرني بذلك. ذلك الحقير فالنتين يتعمّد تجاهلي. أليس كذلك، فاسيلي؟”
اختار فاسيلي الصمت، وكان ذلك بمثابة إقرارٍ غير مباشر.
لم أكن متأكّدةً تمامًا، ولكن بدا أن علاقة فاسيلي وفالنتين أصبحت أقوى بعد تلك النبوءة. لم يكن فالنتين يزور القصر كثيرًا، لكن كلما خرج فاسيلي لفترةٍ طويلة أو كتب رسائل حتى وقتٍ متأخّر، كان المتلقّي في الغالب هو فالنتين.
بدلًا من أن تؤدي النبوءة إلى توتّرٍ بينهما، بدت وكأنها أصبحت فرصةً للتعاون، حيث كانا يعملان سويًا على حل المشكلات الكبيرة والصغيرة.
“وأنا وحدي من تُركت خارج ذلك…”
شعرتُ ببعض الغصة.
“إذًا، هل ستبعثين له الدعوة العاشرة اليوم؟”
“لا.”
“إذن؟”
حدّقتُ بصمتٍ في جبهة فاسيلي، كأنني أحاول إحداث فجوةٍ فيها بنظراتي. وأخيرًا، وبعد أن أنهى شرب شايه وقراءته للصحيفة الثالثة، فتح فمه وتحدث.
“إيفان، اليوم ستكون مسؤولًا عن مرافقة لارا في خروجها. لقد تلقّيتَ دعوةً إلى أُمسيةٍ شِّعريّةٍ تستضيفها الآنسة إيما تولستوي، أليس كذلك؟ خُذ لارا معك.”
“انتظر لحظة، ماذا؟!”
إيفان، الذي كان يتناول طعامه بغير اهتمام، بدا وكأنه تلقّى صفعةً غير متوقّعةٍ وهو ينظر إلى فاسيلي في صدمة. لكن فاسيلي لم يترك مجالًا للنقاش.
“مؤخرًا، لم تحظَ لارا بأي فرصةٍ للخروج. كنتُ أنا مشغولًا، وكذلك تانيا. أما أنتَ، فقد كنتَ مشغولًا باللهو، لذا من الأفضل أن تقضي يومًا معها.”
“أخي، كلامكَ يبدو جميلًا، لكنك في الواقع ترسلها فقط لرؤية فالنتين، أليس كذلك؟”
“بالطبع، وإلا فهل تظنّ أنني مُهتمّةٌ بسماع الشِعر؟”
أجبتُ بدلًا من فاسيلي، مُمدِّدَةً عنقي في تحدٍّ، فحدّق إيفان بي بغضبٍ شديد. لكن لم يكن لديّ خيارٌ آخر، فقد كان من الصعب للغاية إقناع فاسيلي بهذه الفرصة.
خطتي اليوم كانت واضحة، أذهب إلى الأُمسية الشِّعريّة، ألتقي بفالنتين وأُزعجه، أُجبره على الاعتذار، أجعله يعمل تحت إمرتي.
اليوم سيكون يوم تحقيق هدفي الكبير!
“أتمنى فقط ألا تتفوّهي بأي كلامٍ غير لائقٍ هناك، لارا.”
“إذن، ستأخذني معكَ؟”
“هاه… كنتُ أعلم أنكِ تتصرّفين بلطفٍ بشكلٍ غير معتادٍ اليوم.”
لخشية أن يتركني خلفه، كنتُ قد أنهيتُ استعداداتي مسبقًا قبل دخول غرفة الطعام. نظر إليّ إيفان بنظرةٍ غير راضيةٍ وهو يمضغ خبزه ببطء، ثم انشغل بمحادثته مع فاسيلي حول الأوضاع السياسيّة للإمبراطوريّة، متجاهلًا وجودي تمامًا.
لكنني ظللتُ جالسةً بجانبه، صامدةً حتى النهاية، حتى انتهى من وجبته القصيرة وصعدنا معًا إلى العربة. جلستُ بجانبه، بينما كان يبدو وكأنه استسلم للأمر الواقع.
“أعتقد أنكِ كبرتِ مُدلّلةً أكثر مما ينبغي، لارا.”
انزعجتُ من كلماته، فحدّقتُ به بنظرةٍ غاضبةٍ وقلتُ.
“ومنذ متى وأنتَ تهتم؟ لم أَذكر يومًا أنني تلقّيتُ منكَ أيّ دلال!”
“ألم تري أنني أنا من يأخذكِ معه الآن؟”
“حسنًا، شكرًا لكَ. وهذه ليست سخرية، بل أشكركَ بصدق.”
لو سألني أحدٌ عن أكثر الأشقاء بُعدًا عني، فسأقول بلا تردّدٍ إنه إيفان.
في الواقع، لم يكن إيفان مُتحفّظًا معي فقط، بل مع جميع أفراد العائلة. حتّى قبل ثلاث سنوات، كنا مقرّبين جدًا، لكن في مرحلةٍ ما، أصبح يبتعد عن الجميع بسرعةٍ ولم يعد ذلك يتغيّر.
لم يكن يقضي الكثير من الوقت في القصر، وكان من النادر مقابلته شخصيًّا، باستثناء وجبات الإفطار العائليّة الإجباريّة.
‘هل إيفان يعتبر العائلة عبئًا؟’
لم يكن يحبّ التحدّث عن مشاعره، ونادرًا ما رافقني إلى أي مكان. على مرّ السنوات، أصبحنا أكثر بُعدًا عن بعضنا البعض.
اليوم كانت المرة الأولى منذ عامٍ تقريبًا التي نخرج فيها معًا.
العائلة.
عندما فكّرتُ في الأمر، أدركتُ أن إيفان بدأ يتغيّر منذ أربع سنوات، عندما أصيب عمّنا، الدوق ليبرتان، بمرضٍ مفاجئ واضطرّ إلى العيش في عزلة.
كان إيفان مقرّبًا جدًا من العم، وبعد مغادرته للعاصمة، أصبح أكثر صمتًا وكآبة. لم أكن أكره العم، لكنني أدركتُ أنه كان يفضّل إيفان بشكلّ خاص.
‘ألا يزال العم مريضًا؟’
كم يمكن أن يكون المرض خطيرًا ليتطلّب أربع سنواتٍ من النقاهة في الريف؟
تخيّلتُ عودته وتعافي إيفان وعودته إلى طبيعته. لكن كلما سألتُ والدَيّ عن حاله، كان الجواب نفسه دائمًا “إنه بحاجةٍ إلى المزيد من الوقت.”
قبل أربع سنوات، والآن أيضًا.
‘لا يمكن أن يكون قد مات، أليس كذلك؟’
لا، مستحيل. لو كان قد توفّي، لكانت هناك جنازة، أليس كذلك؟ بالتأكيد!
نظر إليّ إيفان وقال ببرود.
“أتمنّى أنكِ لم تنسي كلام تانيا. يجب أن تتخلّي عن فكرة فالنتين.”
“ماذا تقصد؟”
“أن تتخلّي عن مشاعركِ نحوه.”
“لم يكن لديّ أيُّ مشاعرٍ تجاهه من الأساس! لماذا يقرّر الجميع عني؟ ليس لدي أيّ نيّةٍ لجعل ذلك الحقير زوجي!”
“إذن، لماذا أنتِ مهووسةٌ به؟ لا أظن أن السبب هو كونه مرسولًا.”