أتمنّى لو أنّك أحببتني - 6
الفصل السادس 🩷
هبّت نسمةٌ باردة، لامست جبهتي ثم تراجعت بعيدًا خلف وجنتي. لم أستطع محو الابتسامة عن شفتيّ بينما حذرته بالمثل.
“بل أنتَ من عليه أن يبقى متيقظًا، فالنتين. لا تنسَ أنني أميرة. لو أُصبتُ حتى بخدشٍ بسيط، فسيتعين عليك دفع الثمن.”
“سأحاول. لكنني لم أُقِلّ أحدًا معي من قبل.”
ماذا؟
في تلك اللحظة، دفعت لارا قوائمها الخلفيّة بقوةٍ أكبر وانطلقت.
تطاير شعري بعنفٍ مع الرياح المعاكسة، حاجبًا عني الرؤية. لم أملك حتى فرصةً لربطه بعدما وجدتُ نفسي فجأة مُجبرةً على هذه الرحلة. هذا الوقح عديم التغيير! صرختُ بأعلى صوتي.
“قلتَ إنكَ تفعل هذا لأوّل مرّة، أليس كذلك؟ ماذا لو سقطتُ؟ هل ستتحمل المسؤولية؟ خفّف السرعة! لا، بل توقّف عن الجري أولًا، ثم انطلق مجددًا بعد أن أعتاد على الأمر!”
ارتجف صدر فالنتين قليلًا وهو خلفي. هل كان يسخر مني؟ لم أكد أغرق في تساؤلاتي حتى همس بصوتٍ منخفض عند أذني.
“لستُ من يجري، إنها لارا. يبدو أنها تشبه صاحبتها، فهي سريعةٌ جدًا. ما رأيكِ في تغيير اسمها إلى “لارا السريعة”؟”
رغم الفوضى من حولي، إلا أن صوته الحاد والواضح اخترق رأسي كالسّهم واستقر هناك. تجاهلتُ القشعريرة التي سرت على طولي وأمسكتُ اللجام بإحكامٍ أكبر.
لارا هي التي تجري؟ هذا كذب، بلا شك. لا بُدّ أنه يحاول إزعاجي عمدًا. أنا واثقة من ذلك. طلبه الركوب معي لم يكن سوى خطة لإخافتي، أليس كذلك؟
“خفّفي الضغط عن فخذكِ الأيمن قليلاً.”
رغم كل شيء، كانت مهارته في الفروسية مذهلة. حتى مع جلوسي الخفيف على السرج، لم أشعر باهتزازٍ كبير. كان يحرص على تصحيح وضعي بين الحين والآخر، وهذا ما جعل الأمور أقل سوءًا.
حين تجاوزنا الحقول العشبيّة، بدأنا نهدئ السرعة تدريجيًا. عندما تحولت الهرولة إلى مشي بطيء، شعرتُ ببعض الخيبة.
ثم، امتدت يدٌ كبيرةٌ من خلفي، تسلّلت أسفل قبعتي، وأعادت ترتيب خصلات شعري المبعثرة خلف أذني.
تجمدتُ تمامًا، حتى أنني نسيتُ كيف أتنفّس. لكن هدف فالنتين لم يكن سوى ترتيب شعري الفوضوي.
“انظري للأمام جيدًا.”
“كنتُ أفعل ذلك منذ البداية.”
كدتُ أطلق تنهيدة، لكنني أمسكتُ بها في آخر لحظة. يا للعار! تلعثمي بهذه الطريقة كان إهانةً لنفسي. لا شك أنه سمع ذلك. هل يعتقد الآن أنني أميرةٌ بلهاء تتظاهر بالذكاء؟
“الوقواق يبكي، إنه طائرٌ مهاجرٌ يأتي إلى أوهالا بين الربيع والصيف.”
“…صوته لطيف. هل مظهره لطيف أيضًا؟”
في الحقيقة، لم أسمع صوته أصلًا. لم يكن لدي وقتٌ للتركيز على ذلك.
“ليس تمامًا. إنه يشبه لارا الصغيرة، قبيحٌ بعض الشيء.”
“ماذا؟”
“قلت إنه يشبه لارا الصغيرة، قبيحٌ بعض الشيء.”
ألقيتُ عليه نظرةً جانبيّةً غاضبة. صحيح أن لارا الصغيرة، مهرتي، ليست جميلة… لكن الإشارة إلى حجمي الصغير بهذه الطريقة أزعجتني أكثر. متى رآها أصلًا؟
تجاهلتُ كلامه، وأشرتُ إلى طائرٍ آخر محلقًا في السماء. لم أُكلّف نفسي عناء تصحيح خطئه أو سؤاله كيف عرف نوعه من مجرد نظرةٍ خاطفة. هل يظنني غبية؟
“فالنتين.”
عند مغيب الشمس، غمرت حمرة الشفق مدينة ماخاتشكالا.
كان فاسيل، الذي سبقنا، قد ربط الأحصنة تحت شجرة الدردار الكبيرة. عندما اقترب منا، مدّ يده نحوي وقال برفق.
“لارا، خذي قسطًا من الراحة بالقرب من البحيرة.”
نزلتُ عن الحصان، لكنني أدرتُ ظهري له مباشرة. أعرف أنني لا يجب أن أشارك في حديث الكبار. رغم أنني ناضجةٌ وذكيّةٌ بالنسبة لفتاةٍ في الثالثة عشرة، إلا أن التصرّف كطفلةٍ مطيعةٍ كان مفيدًا أحيانًا للحصول على ما أريد.
“لا بأس. لديّ سؤالٌ أريد طرحه على الأميرة أيضًا.”
عليّ؟
“لمَ لا تؤجله لوقتٍ لاحق؟”
“يتعلّق الأمر بولي العهد.”
نظرتُ إلى فاسيل بحذر. حدّق في فالنتين مليًّا بنظرةٍ ثاقبةٍ قبل أن يهزّ رأسه موافقًا.
اقتربتُ بصمتٍ من شجرة الدردار، وجلستُ على الأرض، واضعةً ركبتيّ معًا. سأل فاسيل.
“حسنًا، دعني أسأل أولًا. قلتَ إن لديكَ نبوءةٌ تريد إخباري بها. لكن هل هي حقًا أمرٌ يجب أن أعرفه أنا وحدي، وليس البابوية؟”
“لم أعتنق ديانة غافريل قط.”
“بالطبع، أعلم أنه لا يوجد مثل هذا الالتزام. لكنك لستَ مُجبرًا على إخباري أنا فقط.”
بينما كانا يتحدّثان، التقطتُ غصنًا جافًا، وبدأتُ أعبث به في التربة. نبوءة، هاه؟ تُرى، هل يمكنه التنبؤ بحالة الطقس غدًا أيضًا؟
“لو علموا، قد يصبح الأمر مزعجًا. لكن طالما نحن الثلاثة نحفظ السر، فلن يحدث شيء، أليس كذلك؟”
“هذا ليس من عادتك، فالنتين. تبدو مهملًا أكثر من اللازم.”
“هل تفهمين، صاحبة السمو؟ مصيرنا جميعًا بين يديكِ. لا يجب أن يغادر حديثنا هذا المكان أبدًا.”
نبوءةٌ… عن الطقس؟ أجبتُ بلا مبالاة.
“حسنًا.”
لو كانت نبوءةً خاصّةً بفاسيل وحده، لربما كانت مُهمة. لكن طالما أنني سُمِح لي بسماعها، فلا بد أنها تافهة. ربما تتعلّق بتساقط شعر فالنتين قريبًا… أو إصابة أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة بتسممٍ غذائي بعد بضعة أيام…
لكن الحقيقة كانت مُختلفةً تمامًا.
“فاسيل نيكولايفيتش نوفاروف، ولي العهد. ستعتلي العرش يومًا ما، لكنك ستُعرف باسم الطاغية فاسيل، وفي عامك الرابع على العرش، سيتم اغتيالك على يد المتمرّدين والعملاء. هذه النبوءة تخصّ المستقبل بعد 17 عامًا من الآن، وبعدها… ستلقى الدوقة تاتيانا، التي كانت بمثابة مستشارتكَ، المصير ذاته.”
لم أنطق بكلمة، فقط حدّقتُ بفاسيل بعينين متسعتين.
طاغية؟ متمرّدون؟
حدّق فالنتين في فاسيل ببرودٍ متجمّد. تلك النظرة… كانت أكثر ما أكرهه. ارتجف جسدي.
دون تفكير، تقدمتُ نحوه وأمسكتُ بيده بقوّة. عادةً، كان سيتفاجأ وينظر إليّ باستغراب. لكن هذه المرة، تجاهلني تمامًا، وكأنني لم أكن هناك. ثم سأل بصوتٍ هادئ خالٍ من أي تعبير.
“هل هذا… مزاح؟”
“هل سيكون الأمر أفضل إن كان كذلك؟”
ساد الصمت.
“ماذا عن إيفان ولاريسا؟”
“للأسف، لم أرَ شيئًا عن مستقبلهما. أو بالأحرى، يمكن القول إنه… ليس لديهما مستقبل.”
تغيّر الجو. سحب فاسيل يده مني ونظر إليّ للحظة، ثم قال.
“لارا، تصرّفي وكأنكِ لم تسمعي شيئًا، واذهبي إلى البحيرة.”
“لا، أريد سماع رأي الأميرة.”
“لا تتجاوز حدودك، فالنتين.”
أمسكتُ بيد فاسيل مرّةً أخرى. كلما صار صوته أكثر برودًا، تمسكتُ به بإحكامٍ أكبر.
طاغية، طاغية…
أنا لا أؤمن بالنبوءات، لكن هذه الكلمة بالتحديد لم تغادر ذهني.