أتمنّى لو أنّك أحببتني - 4
الفصل الرابع 🩷
أمسك فاسيلي بيدي وسار بخطى واسعةً خارج غرفة الطعام.
في الواقع، لم يكن هناك أيُّ دافعٍ خفي. كي ألتصق بفالنتين مثل علقة، كان علي أن أبدأ بالتصاقي بفاسيلي أولًا.
قد يكون ذلك مصدر إزعاجٍ بسيطٍ لفاسيلي، لكنه كان خيارًا لا مفر منه بالنسبة لي. يُقال إن فالنتين يتم دعوته إلى القصر الإمبراطوري من قِبل فاسيلي في أربع حالاتٍ من أصل خمس، لذا كان من المنطقي أن أتحرّك مع فاسيلي، للاستفادة من أي فرصةٍ قد تأتي في أيّ لحظة.
‘آه… سأكون مُتعبَةً قليلًا لفترةٍ من الوقت.’
بصراحة، لم تكن هذه الخطة مُمتعةً جدًا بالنسبة لي أيضًا. إذا عملتُ مع فاسيلي، فسيتعيّن عليّ أيضًا تحمّل الكثير من المواقف المُزعِجة.
“إنها ابنتي.”
“ماذا؟”
“قلتُ، إنها ابنتي.”
كان ذلك أثناء مُحادثةٍ مع البستاني الذي كان منشغلًا بتقليم الأشجار استعدادًا للربيع.
“كيف الحال، يا ابنتي؟”
لم يجرؤ البستاني على النظر إلى فاسيلي بنظرةٍ غريبة، وقال ‘نعم، رأيتُ ابنتك، إنها جميلةٌ جدًا وذكيّة. تهانينا.’ ثم انحنى مع رسالة تهنئةٍ غير مفهومة.
بجوار البستاني، كان هناك نبلاءٌ مُسنّون مألوفون، جاؤوا لمواساة الإمبراطور الذي فقد جزءًا من مكانته. لا بد أنهم رصدوا فاسيلي أولًا، وكانوا ينتظرون بصبرٍ عند مدخل الحديقة. وبمجرد أن أقرّهم فاسيلي، ألقوا التحيّة لي بكل سرورٍ أيضًا.
“لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ آخر مرّة رأيتكِ فيها، صاحبة السمو الأميرة لاريسا. الشائعات منتشرةٌ في ماخاتشكالا بأن صاحبة السمو الأميرة تعمل بجدٍّ كبيرٍ في دراستها.”ّ
(بلوفي: ماخاتشكالا هي العاصمة التي تقع فيها القلعة الإمبراطوريّة لإمبراطوريّة أوهالا)
ردّ فاسيلي وكأنه كان ينتظر الإجابة.
“إنها حقيقةٌ تمامًا. من الصعب العثور على فتاةٍ في الثالثة عشرة من عمرها ذكيّةٌ وجميلةٌ مثل لارا في ماخاتشكالا، أو بالأحرى، في إمبراطوريّة أوهالا.”
“هاها، بالفعل. سمعنا أن وتيرة الدراسة سريعةٌ جدًا.”
“إنها سريعةٌ جدًّا. إنها تحبّني كثيرًا، كما تعلم.”
“آه نعم، تحبّكَ صاحبة السمو دائمًا.”
“حتى أكثر من جلالة الإمبراطور.”
“نعم.”
وهكذا… أصبحت الإجابات تزداد قصرًا وقصرًا.
قمتُ بإقناع فاسيلي، الذي كان منشغلًا بالحديث بلا مبالاةٍ نيابةً عن النبلاء المسنّين المرهقين، بالعودة إلى القصر. بالمصادفة، بعد تجربتي لذلك لمدة ثلاث عشرة سنة، لم يتبقَ لدي أيُّ قدرٍ من الإنسانيّة يجعلني أشعر بالخجل أو الإحراج.
‘لا شك أن فاسيلي يستحقّ نصيبًا عادلًا من الفضل في نموّي وتطوّري، بلا شك.’
هل اليوم هو اليوم الذي أُمسك فيه بفالنتين أخيرًا؟
حتى إن فاسيلي أضاف جدولًا غير موجودٍ ليستعرضني (أو بالأحرى، حقيقة أنني أتبعه في كلّ مكان). بسرعة، ركب عربة، غادر القصر، توجّه إلى منزلٍ قريب، استقبل حوالي عشرة رجالٍ نبيلين، أجلسني على كرسيٍ بالقرب من النافذة، وبدأ في إزعاج أعضاء النادي النبيل.
“اليوم، توقّفوا عن القمار الترفيهي الباهظ. سيكون من الأفضل مناقشة خططٍ ذات رؤيةٍ مستقبليّة.”
أعتذر، أيها السادة. إنه خطئي لأنني جُررت إلى هنا وأنا بعمر الثالثة عشرة.
في النهاية، ناقش فاسيلي مع أصدقائه “خطط دعم الفنانين الشباب” لما يقرب من ساعتين، ثم رفعني وعاد إلى القصر.
ألم يقولوا أن السعادة تأتي بعد المشقة؟
عندما عدتُ إلى المنزل، محمولةً مثل كيس قمحٍ على كتف فاسيلي، كان الشخص الذي أردتُ رؤيته بشدّةٍ أكثر من أي وقتٍ مضى موجودًا لاستقبالنا.
“صاحب السمو، فالنتين فلاديميروفيتش دميتريف وصل لتوه وينتظر مقابلتكم…”
“فالنتين!”
كان صراخي أسرع من أن يتمكّن فاسيلي من الوصول إليه وإلقاء تحية ما بعد الظهيرة. بسرعة، وضعتُ قدمي على الأرض وركضت نحو فالنتين، مُنفِّذَةً خطتي للالتصاق به مثل علقة.
نظر فالنتين إليّ بينما قفزتُ نحوه دون أي علامةٍ على المفاجأة. كانت ملامحه تُعبّر عن حيرةٍ طفيفة. رغم أن عينيه أظهرتا شكًّا وفضولًا، إلا أنه على الأقل لم يكن يملك التعبير المزعج بلا حدود الذي رأيته على وجهه حتى الآن.
ومع ذلك، لم يلقِ لي فالنتين التحيّة. يا له من غرور! نظرتُ إليه بعينيّ وكأنني أطلب منه الاعتراف بوجودي، لكن نظراتنا اصطدمت ببعضها بشكلٍ مربك، وكأنها تُخفي شيئًا من الحيرة.
“لارا.”
قطع فاسيلي الصمت الدقيق بيننا. فقط عندها نظر فالنتين إلى فاسيلي وفتح فمه ليقول.
“يبدو أنني أزعجتُ صاحبة السمو الأميرة مجددًا. سأغادر فورًا.”
“لا، ابقَ كما أنت. فاسيلي دعاكَ إلى هنا مجددًا اليوم، أليس كذلك؟ لا تهتم بي، فقط اكمل عملك.”
“كما أنا الآن؟”
“نعم، كما أنتَ الآن.”
تشبثتُ بجانب فالنتين بإصرارٍ شديدٍ على ألّا أتركه. كانت درجة الحرارة التي تنبعث منه باردةً مثل نسيم الجبال، على عكس دفء يدي فاسيلي الذي يشبه مياه الينابيع الساخنة.
“لارا، السبب الذي جعلكِ تتبعينني اليوم…”
“فعلتُ ذلك لأنني أردتُ أن أكون معكَ. لكن يدا فاسيلي دافئةٌ جدًا لدرجة أنني بدأتُ أشعر بالحر، أليس كذلك؟ يدا فالنتين باردة، لذا أعتقد أنني سأهتم به لفترة.”
وكأنني أتباهى، أمسكتُ بيد فالنتين اليمنى وسحبتها. كانت يده، التي سحبتها دون مقاومةٍ تُذكر، باردةً لدرجة جعلت مؤخرة رأسي تتخدّر. ولكن لماذا يبدو هادئًا جدًا؟ عندما ألقيتُ نظرةً سريعةً عليه، بدا وكأنه لا يهتم بوجودي.
شعرتُ وكأنني أخسر شيئًا.
‘لماذا هو غير مهتمٍ بي إلى هذه الدرجة؟’
قد يكون من غير الناضج الحكم عليه بعد ثلاث لقاءاتٍ فقط، لكن فالنتين يبدو وكأنه رجلٌ عجوز، غير مكترثٍ بكل ما في العالم. وإلا، كيف يمكنه أن يعاملني، الأميرة، بمثل هذا البرود؟
“لكن لماذا لا تُلقي عليّ التحيّة أبدًا؟”
بعد لحظة صمتٍ قصيرة، للمرّة الأولى منذ عرفتُه، ظهر على وجه فالنتين تعبيرٌ خبيث.
“هل كنتِ تريدين مني أن أُلقي التحيّة عليكِ؟”
دون أن أُدرك، أصبح تنفّسي أكثر حدّة.
“وكأنني أُريد ذلك! لا تتصرّف مثل ثعبانٍ يحاول التملّص. أنا أسألك لماذا تتجاهلني؟”
“لا أعلم إذا كان بإمكاني إخباركِ بذلك، ولكن…”
“إذًا لا تخبرني. لا، اخبرني. دعني أسمع ما لديكَ لتقوله.”
“إنها مسألة لياقةٍ عامّة أن يُلقي الشخص الأعلى مرتبةً التحيّة أولًا.”
كان صوته متعاليًا، وكأنه يشرح الأمر لشخصٍ جاهل.
“هل تظنّ أنني غبية؟ هناك شيءٌ يُسمى النظرات، أليس كذلك؟ عادةً، عندما تلتقي أعيننا، من المعتاد أن تعطي نظرةً تعني ‘أنا في انتظاركِ لتلقي التحيةّ عليّ.'”
“كيف لي أن أُرسل مثل هذه النظرة لمن حذّرني من إغضابه؟ تجاهل مقام صاحبة السمو والتظاهر بعدم المعرفة هو فعلٌ مُستحقٌّ للإدانة حقًا.”
“ولكن…”
“إذا رغبتِ يا صاحبة السمو، فسأتصرّف من الآن فصاعدًا كما يحلو لي دون اعتبارٍ لمشاعركِ أو مطالبكِ.”
أغلقتُ فمي وحدّقتُ في فالنتين.
يا للإهانة.
أن أخسر جدالًا أمام شخصٍ عمره سبعة عشر عامًا فقط.
وما زاد الأمر سوءًا، هو تعبيره الذي بدا وكأنه يقول ‘هل حقًا عليّ أن أشرح أكثر؟’ مما جرح كبريائي أكثر.
بينما كنتُ أفكّر فيما إذا كان عليّ أن أعضّ اليد التي أُمسك بها، وبّخني فاسيلي بنظرةٍ صارمةٍ نوعًا ما.
“لارا، عودي إلى غرفتكِ. يمكنكِ التصرّف كما يحلو لكِ فقط عندما تكونين بجانبي. لا تُحرجي فالنتين.”
كان فاسيلي حازمًا وهادئًا، فقط أثناء تباهيه بي بلا خجلٍ أمام النبلاء المسنّين وأصدقائه.