أتمنّى لو أنّك أحببتني - 3
الفصل الثالث 🩷
“أولًا، سُمعَتهُ أعلى مما ينبغي. يستحق الثناء كونه رجلٌ وسيمٌ بشكلٍ استثنائي، لكن بسبب سمعته وثروته الكبيرة، لا تتركه النساء وشأنه. وجود رجلٍ مشهورٍ للغاية بجانبكِ قد يكون مرهقًا. أليس الأمر يشبه اختيار وريث أرملةٍ ثريّةٍ كزوج؟”
ألم يكن ذلك أشبه بالنحل المُتجمّع حول زهرة، حيث يأخذ أحدهم العسل في النهاية؟ شخصيتي لا تسمح بسهولةٍ للآخرين بلمس ممتلكاتي. لذا، كلام تاتيانا أثار صدى في داخلي.
“ثانيًا. شخصيته لا تناسب شخصيتكِ.”
لم تكن هناك حاجةٌ للتعمّق في السبب هذه المرة.
“مفهوم. أنا بالفعل أملك شخصيّةً صعبة.”
ابتسمت تاتيانا بلطف، ‘يا إلهي’ ثم مرّرت يدها بلطفٍ على ذقني وابتسمت بحرارة.
“لا، لا. شخصية هرّتي الصغيرة جميلةٌ في أيّ وقتٍ وأيّ مكان! المشكلة تكمن فيه هو. لا تسألي أي جزء هو المشكلة، فهذه الأشياء يصعب شرحها لأنها تُحسّ عبر الحواس. ما أردتُ قوله هو أنه لا حاجة للتقرّب من شخصٍ ما إلا إذا كان صديقًا.”
ذكّرتني تلك الكلمات بوجه فالنتين المُزعج وهو يسحب الستارة بلا تردد. بدلًا من إظهار أدنى شعورٍ بالذنب، كانت تلك العيون تبدو وكأنها تُزيل علقة مزعجة! حتى بعد مرور يومين، كان ذلك التعامل لا يُنسى بسهولة.
“لست مُهتمةً على أي حال. سألتُ فقط بدافع الفضول.”
“نعم، نعم.”
لكن ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟ لن أستدعيه إلى القصر الإمبراطوري وأتحداه في مبارزةٍ قائلة ‘اقبل العقاب على خطايا ذلك اليوم.’ سيكون من السّخف استدعاؤه لهذا السبب التافه، خصوصًا من وجهة نظر والديّ.
علاوة على ذلك، إذا فكّرتُ بطريقةٍ أكثر نضجًا وإيثارًا، فإن استدعاءهُ فقط لأنه ذكر هروبي من الحصة سيكون تصرّفًا سخيفًا.
‘هذا شيءٌ قد يفعله شخصٌ في الثالثة عشرة من عمره. فهو لم يرتكب جريمةً خطيرة.’
أنا أميرةٌ طيّبة القلب، لذا دعونا نتجاوز الأمر بعفو. هذا أيضًا كان بالتأكيد جزءًا من النضج.
في اليوم التالي بعد الظهر، عزمتُ على نسيان وجود فالنتين المزعج تمامًا.
لكن، القدر كان له رأيٌ آخر. التقيتُ بالجمال ذي الشعر الفضّي مرّةً أخرى في القصر.
بل وحتى أمام نافذة الطابق الثاني التي التقينا عندها أوّل مرّة!
لم تكن بيننا علاقةٌ سيّئة. كانت فقط مجرّد رابطةٍ عابرة.
كنتُ على وشك تحيّته بشكلٍ عابرٍ والمضي قدمًا، لكن فالنتين، بشكلٍ غير متوقّع، تجاهلني تمامًا ومشى بعيدًا. كان الأمر لا يُصدّق.
“أنت… لا، أنت!”
لحسن حظ فالنتين المزعج، كانت عيناه فقط المتضرّرة، لكن يبدو أن أُذنيه بخير. استدار لينظر إليّ.
السّماء ليست عادلةً بالتأكيد. عن قرب، بدا فالنتين كأنه أميرٌ خرج مباشرةً من قصّةٍ خياليّة.
لم يكن لديه شعرٌ فضّي ناعم فقط وبشرةٌ بيضاء صحيّة بدت كأنها منسوجةٌ من أنهار الصيف، بل حتى حاجباه الجميلان المُمتدّان على طول جسره الأنفي البارز كانا رائعين. علاوةً على ذلك، عيناه التركوازيتان الواضحتان كانتا نابضتين بالحياة كالفستق المطحون.
لكن، ما فائدة مثل هذا الجمال الاستثنائيّ إذا كان صاحبه يحمل تعبيرًا يقول ‘ما الخطب؟’ بفضل هذا، انهارت ثقتي بنفسي كبرجٍ حجريّ أصابه البرق.
“أنتَ، الذي أرسلتني إلى العدو في ذلك اليوم، كيف تجرؤ على وضع قدمكَ في القصر الإمبراطوري مجددًا؟!”
في تلك اللحظة فقط، ظهر تعبيرٌ غريبٌ على وجه فالنتين.
تحوّلت ملامحه إلى تلك التي ترى علقةً لم يكن يتوقّعها، لقاءٌ تافهٌ وغير سار.
“أعتذر. كان خطئي. سأختفي من أمام عينيكِ فورًا، صاحبة السمو.”
“… “
مجرّد وجهٍ وسيم، لا، والكثير من المال، لا، والكثير من الشهرة… حسنًا! فالنتين المزعج، الذي يملك كل شيءٍ عدا اللباقة والذوق، تراجع بخطواتٍ قليلةٍ من باب المجاملة، ثم استدار على الفور ومشى ببطءٍ بعيدًا.
‘هل سيغادر حقًّا بهذه الطريقة؟!’
كانت الصدمة والعبثيّة التي شعرتُ بها في ذلك اليوم كبيرة جدًا لدرجة أن شرارةً ضخمةً أشعلت حطب ‘الانتقام لشفاء كبريائي الجريح’، وهو شيءٌ لم أكن أعلم بوجوده أصلًا.
يمكن للمرء أن يتحمّل مرّة، ولكن ليس مرّتين.
اتّخذتُ قراري.
اعتبارًا من اليوم، تمامًا كما يرغب فالنتين فلاديميروفيتش دميتريف، سأصبح علقةً حقيقيّة.
أنا أعلم. من وجهة نظري، كان الأمر يتعلّق بمعاقبة شابٍّ نبيلٍ جاهلٍ أهان كبرياء العائلة المالِكة، ولكن من وجهة نظر فالنتين، كانت فرصةً سيّئةً للوقوع بين يديّ أميرة ذات شخصيّة سيّئة.
لكن، مهما حاولتُ، لم أستطع أبدًا أن أسامح فالنتين المُزعج على نظرته الدونيّة لي!
ازداد هذا أكثر بعد أن علمتُ من تاتيانا أنه كان مُطارَدًا من قِبل النّبلاء من جميع أنحاء قارة نوست.
‘يا ترى، كم كنتُ أبدو سخيفة؟’
كما تبيّن، فإن مرسول ديانة غافريل كان يتمتّع بنفوذٍ أكبر بكثيرٍ مما توقّعت.
‘ما الذي يعنيه أن تكون مرسولًا؟’
حاولتُ الإجابة عن هذا السؤال من خلال فاربن، أستاذ مادة اللاهوت الذي كان منشغلًا بالقيلولة وهو أيضًا أسقف.
لم يستطع إخفاء دهشته من حماسي للتعلّم، الذي لم يره منذ وقتٍ طويل، وشرح الأمر كما يلي.
[أوه عزيزتي. يبدو أن صاحبة السمو الأميرة أصبحت مُهتمّةً جدًّا بالشخص الأعظم، المرسول، بعد لقائها بفالنتين الخاص بنا.
إن صاحب السيادة فالنتين هو مرسولٌ وُلِد بعد 120 عامًا، وهو شخصٌ سيعود بفائدةٍ عظيمةٍ على العالم باستخدام الوحي، العين المُقدّسة.
وفقًا للسجلات، عادةُ ما يُدرك المرسولون قوّتهم بعد سن المراهقة، لكن فالنتين الخاص بنا يبدو أنه أظهر قوّته في نفس سنّ صاحبة السمو، محققًا مساهماتٍ كبيرةٍ في إحلال السّلام العالمي…]
عندما أتذكّر ذلك الوقت، لا أشعر بشيءٍ جيد.
قدّم فاربن فالنتين بنبرةٍ ودّيةٍ وفخر، مشيرًا إليه باسم ‘فالنتين الخاص بنا’. تمامًا كما أصبح فالنتين، وهو مواطنٌ مولودٌ في إمبراطوريّة أوهالا، مؤمنًا دون أي صلّة بالبابوية.
‘حسنًا، ليس فقط بالبابوية، على ما أعتقد.’
عائلتا تشيرينسكو وأوبلونسكي المالكتان، اللتان منحتاه لقبًا عظيمًا، كانتا بلا شك تتسابقان أيضًا لمدح فالنتين من أجل إنجازاته العظيمة، على أمل أن يميل لواحدٍ منهما.
شعبيته المذهلة ربما تكون السبب الحقيقي في أن فالنتين يراني كـ’ذبابة’. بما أنه يحظى باعترافٍ حتى من الإمبراطور، فقد تكون أميرةٌ بعمر الثالثة عشرة مثلي غير جديرة بانتباهه. أليس كذلك؟ يا لي من شخصيّةٍ تافهة!
في اليوم التالي لإهانتي الثانية من فالنتين.
كان الإفطار قد انتهى للتو، ولأوّل مرّةٍ منذ فترة، تمسكّتُ بساقيّ فاسيلي على الطاولة بينما كان يتلقّى التقرير اليومي من رئيس الخدم بدلًا من والدي، الذي يعاني من ألمٍ في ساقه اليسرى بعد سقوطه من حصانٍ قبل عشرة أيام. وضع يده تحت ذراعي ورفعني كعادته.
“لارا، ما نيّة هذه المُشاكِسة التي تجعلها تأتي وتتمسّك بي؟”
لو كشفتُ الأمر بسلاسة، ربما كان سيبعدني، لذا بقيتُ صامتةً وتصرّفتُ وكأنني لم أسمع شيئًا.
“انظري إلى هذا. لا تفتح فمها حتى؟ تاتيانا، هل زرعتِ فكرةً سخيفةً في رأسها مرّةً أخرى؟”
“أنا أتساءل.”
تاتيانا، التي كانت تفتح الرسائل التي وصلت في الصباح واحدةً تلو الأخرى، ابتسمت بسخريةٍ وعينيها نصف مفتوحتين.
“ربما هي بداية المُراهَقة المُبكِّرة لهرّتي الصغيرة.”
“هل تحتجُّ على شيء؟”
“لو كانت تحتجّ، لما كانت تتصرّف بغباءٍ بهذا الشكل اللطيف. دعها وشأنها. أنا فضوليّةٌ لمعرفة ما الذي تفكّر به وهي تتمسّك بك مثل الكوالا.”
فاسيلي، الذي كان يتأمّلني بعينيه المتفحّصتين، مسح خدي بلطف.
“لحسن الحظ، يبدو أن جدول اليوم مُريحٌ قليلًا. لنراقبكِ، لارا. من يدري ما الخطة الشريرة التي تخفينها؟”