أتمنّى لو أنّك أحببتني - 10
الفصل العاشر 🩷
هل هذا منطقيٌّ على الإطلاق؟
على ذلك السؤال الغبي، انطلقت أمواجٌ عنيفةٌ في سطح بحيرتي الهادئة.
“هل يجب أن أقولها بصوتٍ عالٍ حتى تفهم؟ إيفان، لقد رفض فالنتين دعوتي تسع مرّات! ليست مرّةً واحدة، ولا مرّتين، ولا حتى خمس أو ست مرّات، بل تسع مرّاتٍ كاملة! هل تعتقد أن هذا عددٌ قليل؟”
“إذًا أنتِ تريدين مقابلته بدافع العناد؟ وماذا ستفعلين عندما تلتقينه؟”
“سأجعله يندم! لكن لا تقلق، لن أُسبّب لكَ أي ضرر، فقط لا تعترض طريقي.”
“آه، بالطبع لن تسببين ضررًا.”
فجأة، راودتني فِكرة.
هل يمكن أن يكون إيفان يتحاشاني لأنه يعتقد أنني أؤثر عليه سلبًا؟ هل يجدني مُزعِجةً وثقيلة، مُتشبِّثَةً به بحجة كوني شقيقته الصغرى؟
إذا فكّرتُ في الأمر، فإن إيفان، أمام تاتيانا وفاسيلي، كان فقط يتذمّر قليلًا لكنه كان هادئًا إلى حدٍّ ما. ربما هو لا يكره الجميع… بل يكرهني وحدي.
وصلنا إلى وجهتنا، وهو منزلٌ مستقلٌ فاخرٌ يقع في شارع سانتوروتو، على بُعد خمسة عشر دقيقةٍ من القصر الإمبراطوري.
أمسكتُ بيد إيفان، الذي كان بمثابة الحارس الوحيد لهذه الرحلة، وصعدنا سبع درجاتٍ ضيّقة مقارنةً بدرج القصر الإمبراطوري. بدا أن أحد خدم عائلة تولستوي كان يراقبنا من النافذة طوال الوقت، حيث اندفع إلينا فور وصولنا وأخذ معطف إيفان وقبعته، ثم اختفى بسرعةٍ حاملاً أيضًا قبعتي.
عبرنا الرواق الدافئ ودخلنا إلى قاعة الاستقبال، حيث وقفت مجموعةٌ من الشباب والشابات في انتظارنا.
“أهلًا بكَ، سمو الأمير إيفان… وسمو الأميرة لاريسا. الجميع كان ينتظر حضوركما بفارغ الصبر.”
تقدّمت سيدة المنزل إلينا بخطواتٍ مُسرِعة. كانت امرأةً شديدة الجمال بشعرٍ أشقرٍ ذهبيٍّ لامِع، تقف بجانبها فتاةٌ جميلةٌ بنفس القدر، انحنت برقّةٍ وهي تلقي التّحية.
عندها، قدّمني إيفان إليهما، بصفته صاحب المرتبة الأعلى في هذا التجمّع.
“هذه السيدة تولستوي، وابنتها إيما يفغينيفنا تولستوي، الابنة الكبرى لعائلة تولستوي، والتي تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا. وهي مُضيفة هذه الأُمسية الشِّعريّة.”
كانت إيما شابةً راقية، أصغر قليلًا من إيفان، لكنها تحمل نفسها بثقةٍ تامة. احمرّت وجنتاها قليلًا وهي تنحني تحيةً لي.
“يا إلهي، سمو الأميرة لاريسا! لم أكن أتوقّع حضوركِ لهذا التجمّع الشِّعري. إنه لشرفٌ عظيمٌ لي أن ألتقي بكِ!”
رفعتُ ذقني، مُحافِظَةً على هيبتي كأميرة، ونطقتُ بالكلمات التي حفظتُها مسبقًا بعناية.
“سررتُ بلقائكِ. سمعتُ أنكِ زهرةٌ بيضاءٌ نادرة، جميلةٌ وراقية. لقد مدحكِ إيفان كثيرًا، وقال إن صوتكِ أثناء إلقاء الشِّعر يشبه تغريد العندليب. أنا متحمّسةٌ جدًا لهذا التجمّع، فهي المرّة الأولى لي في أُمسيةٍ شِعريّة، وسأتعلّم الكثير منكِ ومن سائر الحاضرين هنا.”
“يا لها من مجاملةٍ عظيمة، سموكِ! لو كنتُ أعلم أنكِ ستحضرين، لتمرنتُ أكثر! أشعر بتوتّرٍ شديدٍ الآن!”
لم تكن تمزح، فقد بدت بالفعل متوتّرةً للغاية. يا للعجب، كل هذا لأن فتاةً في الثالثة عشرة من عمرها حضرت التجمّع؟
همس إيفان لي.
“تصرّفي كفتاةٍ في الثالثة عشرة من عمركِ، على الأقل.”
“لأتلقّى الاستهزاء؟ مُطلَقًا.”
من الطبيعي أن يصبح الأطفال الذين يتصرّفون بنضجٍ مبالغٍ فيه مادةً للسّخرية. لكنني كنتُ واثقةً من أنني لن أسمح بذلك. فأنا ذكيّة، وعليّ الحفاظ على سمعتي كي لا أعيب اسم تاتيانا وفاسيلي.
“تعالي، لارا. سأعرّفكِ على الجميع.”
كان هناك خمسة عشر شخصًا في الأُمسية، بمن فيهم إيفان وأنا، تتراوح أعمارهم بين صغارٍ لم يبلغوا سِّنَّ الرشد بعد وأفرادٌ راشدين مثل عمّ إيما. لاحظتُ أن الشباب النبلاء في هذا التجمّع كانوا مقرّبين جدًّا من إيفان. بدا لي أمرًا جديدًا أن أراه يضحك ويبتسم بهذه الأريحية.
ولكن…
“أين فالنتين؟ ألم يصل بعد؟”
“لا، لكنه سيصل قريبًا على الأرجح.”
وبمجرد أن انتهى إيفان من حديثه، أعلن الخادم عن وصول ضيفٍ جديد.
كان الشخص الذي دخل هو الشّاب الأشقر الفاتن الذي بدا وكأنه وُلِدَ ليكون نجم هذا المساء. رفع خصلاته الفضية بنعومةٍ وهو يتفحّص الغرفة بملل، لكن ما إن اقتربت منه كونتيسة تولستوي وابنتها، حتّى بدا وكأنه استعاد اهتمامه بالحياة. من ذا الذي يبدو وكأنه عاش دهورًا رغم أنه لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره؟ في أوهالا، لا يوجد سوى هذا الشخص.
“فالنتين.”
“آه، الأمير إيفان. في الواقع، كنتُ أودُّ التحدّث معكَ عن أمرٍ ما…”
لكن عندما التقت عيناه بعينيّ، توقّف فجأة.
ساد صمتٌ غريب، وكأنه أُصيب بالذهول. وبعد لحظةٍ وجيزة، انحنى لي بخفٍّة وألقى تحيًّة رسميّةً متكلّفة.
“مرحبًا بعد غيابٍ دام خمسة عشر يومًا، سمو الأميرة.”
“لماذا كنتَ ترفض دعواتي باستمرار؟”
أدركتُ أنني بدأتُ الحديث مباشرةً دون تمهيد، لكن هذا كان مقصودًا جزئيًا. فالآن، كل العيون مُتّجهَةٌ نحونا. ولم أُضِع الفرصة.
“لماذا رفضتَ دعوتي؟ لقد دعوتكَ تسع مرّاتٍ خلال أسبوعين! سمعتُ أنكَ لم تكن تنوي الحضور اليوم أيضًا، لكنك غيّرتُ رأيك فجأة قبل ثلاثة أيام. لماذا؟”
كان تعبير فالنتين المُضطرِب أمرًا ممتعًا، لكنني لم أرغب في إفساد هذه الأُمسية لإيما، لذلك أمسكتُ بيدها وقلت بحزم.
“آه، إيما. فقط لأكون واضحة، أنا لم أحضر إلى هنا من أجل هذا الشخص. بل جئتُ لأنني أردتُ الاستماع إلى إلقائكِ الرائع. وجوده هنا مجرد مصادفة.”
“آه! لقد ناديتِني باسمي فقط…! هذا يسعدني كثيرًا! أتمنّى لكِ وقتًا ممتعًا هنا.”
ردّت إيما بخجل، مُمسكةً بيدي بحماس. يا لها من فتاةٍ غريبة الأطوار.
لكن بما أنها سمحت لي بذلك، عدتُ إلى موقعي أمام فالنتين قبل أن يتمكّن من الفرار. كان ينظر بعيدًا، مُتجنّبًا التواصل البصري معي.
“اجبني، فالنتين. حتى قبل أسبوع، كنتَ ترفض دعواتي. لماذا؟”
“حسنًا، أنا…”
“لا! سأقولها بنفسي! السبب واضح، أنتَ تجدني مُزعِجة، أليس كذلك؟”
لكن… لماذا ينظر إليّ بهذه الطريقة؟ وكأنه يسخر من كلامي. هل أخطأتُ في استنتاجي؟ أم أن هناك سببًا آخر لتجنّبي؟
“أم أنكَ… لا تثق بي؟ هل بسبب محادثتنا السابقة؟ هل هو بسبب كون فاسيلي طا…!”
في تلك اللحظة، ارتعش حاجب فالنتين الأيسر. توقّفتُ للحظة، ثم تابعتُ ببطء.
“فاسيلي—”
مرّةً أخرى، اهتزّ حاجبه.
“طا—”
اهتزّ.
“—غية.”